
راجت هذه الثقافة قديماً
وانتشرت في مجتمعات القمع والإرهاب أو التصفيق والتطبيل، قام على نشرها والتأكيد
عليها زعماء وحكام. أرادوا من نشر ثقافة التسطيح تغييب الوعي العام عن عظائم الأمور
والقضايا المهمة، فكانت جل معارف شعوب أولئك الزعماء عبارة عن معلومات غاية في
السطحية للكثير من القضايا الحياتية ، حتى
لم يعد الكثيرون قادرون على معرفة الحق أو تمييزه من الباطل والصواب من الخطأ .
أما اليوم، وبفعل وسائل الاتصال من فضائيات
وإنترنت وغيرها، فقد تسارعت عجلات هذه الثقافة بين البشر، حيث تقوم وسائل إعلامية
بدور عظيم وغاية في الخطورة في نشر ثقافة التسطيح حول الكثير من القضايا السياسية
والاقتصادية والاجتماعية ، ورغم القوة الهائلة لشبكة الإنترنت تحديداً للقيام بدور
الضد لهذه الثقافة وبيان الحقائق أولاً بأول، إلا أن الملاحظ هو تزايد أعداد من
تتسطح ثقافتهم يوماً بعد يوم، لا سيما في القضايا المصيرية العظيمة، وشواهد ذلك
كثيرة حولنا يمنة ويسرة.
نشر الوعي إذن مطلوب كأفضل أدوات مقاومة حملات
التسطيح والتغييب، لا سيما من قبل النخب المثقفة صاحبة الضمير الحي والمطّلعة على
بواطن الأمور وحقائق الأشياء، وإنّ ترك بعض وسائل الإعلام ومواقع في الإنترنت تسرح
وتمرح بين الشعوب لتزيد من تجهيل وتسطيح العقول، أمرٌ غير مقبول البتة، بل صار من
الواجب العمل على تفعيل الضد وتوعية الشعوب وتعميق الفكر فيهم، واستثمار نفس
الوسائل أو الأسلحة المستخدمة في نشر ثقافة التسطيح، لتعم بدلاً منها ثقافة التدبر
والتفكر والتأمل، التي لا شك نتاجاتها ستكون عظيمة الأثر، لا سيما في وجود عشرات
من القضايا التي تتعرض للتسطيح والتجهيل كل يوم، وقضية الأقصى أبرزها، وفقدان
الهوية تاليها.. وبينهما الآن ثورات الربيع العربي التي تتعرض لمحن واختبارات
وتحديات قاسية هنا وهناك.. فهل النخب
المفكرة التي لم تمسها داء الصهينة بعد ، على قدر المسؤولية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق