أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

التدرج في التغيير يا شيخ غنيم هو المطلوب ..


    قبل أيام نشر الشيخ وجدي غنيم في مقطع مسجل له بالصوت والصورة على " يوتيوب" رأياً مثيراً  أثار كثيرين من مختلف المذاهب والأحزاب والأفكار ، وخلاصته أن : كل علماني وليبرالي وحداثي ، كافر !! ويعتبرهم مرتدين ، وتجب على المحكمة مراجعتهم واستتابتهم وإلا فيتم تطبيق أحكام الردة عليهم " ..

   مهما هي نية الشيخ أو الذي دفعه لقول هذا والتأكيد عليه وفي مثل هذا الوقت ، فإن الاختلاف معه من كثيرين ، حتى المتفقين مبدئياً معه في الرأي ، جاء حول مسألة الوقت وأنه ليس وقت اثارة وتسخين الأجواء بمثل هذه القضايا في بلد مثل مصر ، لم تشهد استقراراً بعد منذ قيام ثورة 25 يناير ، وأن الفائدة المرجوة من اثارة موضوع الحكم على توجهات وأفكار ما اصطلح على تسميتهم بالعلمانيين أو الليبراليين أو الحداثيين ، ليست مما يمكن بها دعم استقرار الدولة المصرية وما شابهها في الظروف.

    صحيح أن الأيام دول ، وأن الدائرة يبدو أنها فعلاً ستدور على من كانوا يعادون الإسلاميين بشكل عام في مصر ، لكن مع ذلك حتى لو كان المعادون للإسلاميين شديدي العداوة ، فإن قيم وأخلاقيات ديننا العظيم ، تمنع المعاملة بالمثل وخاصة حين تمتلك أدوات القوة والسلطان..

    اليوم يحكم الإسلاميون مصر ، وتحديداً الإخوان المسلمون ، الذين ذاقوا الكثير على يد النظام السابق بدعم ومعية من يصفهم الشيخ غنيم بالعلمانيين والليبراليين والحداثيين. لكن مع هذا نجد أن توجهات الحكومة عدم اثارة وتأجيج الداخل وبث روح الانتقام أو حتى التلويح بذلك رغم امتلاكها القوة والأدوات اللازمة لإذلال من تفنن في صناعة الإذلال بحق من يحكم مصر اليوم لسنوات طوال ، وذلك لأهمية تهدئة الجبهة الداخلية لتستقر البلاد ، فهناك قائمة طويلة من المهام والأولويات ، وليس جمع من يطالب الشيخ غنيم باستتابتهم قبل الحكم عليهم ، من ضمن تلك القائمة ، وإن كانت موجودة فهي بكل تأكيد متأخرة في سلم الأولويات .

    ولو افترضنا جدلاً أهمية ما يقول به الشيخ غنيم ، فالوقت ليس وقته أبداً كنقطة أولى ، فيما النقطة الثانية في هذا الموضوع ، أن الطريقة الأسلم هي محاورتهم والجدال بالحسنى وليس التلويح بالسيف وتطبيق أحكام الردة وتوابعها ، إلا من جاهر وأعلن كفره أو ما يؤدي الى الكفر كما هو معروف عند الفقهاء ، وهو ما لا أظن علمانياً عاقلاً وغيره من الليبراليين والحداثيين مهما كانوا عميقين في توجهاتهم وأفكارهم ، يجرؤ القيام به في بلد كبير ، ملايينه مسلمة بالفطرة وتحب الدين فطرياً وإن ابتعدت عنه لسبب وآخر ..  

   التدرج في التغيير والإصلاح سنة وقانون كوني ، ومهما بلغت من القوة فلن تقدر على التغيير بين عشية وضحاها . مصر دولة كبيرة ظهـرت بها أجيال منذ ما يربو على القرن، تشربت أفكاراً وتوجهات متنوعة ، والتأثيرات الخارجية لم تهدأ يوماً ، حتى ظهـرت مصر بالصورة التي نراها الآن ، وإن تغييرها في سنتين أو ثلاث بزعم امتلاك القوة وأدواتها ، فهذا أمر مضاد للقانون الكوني، ومن يريد العمل وفق ذلك فلن يختلف عن فرعون موسى حين أراد تغيير واقع سيكون بعد حين من الدهر، وأراد ألا يقع هذا التغيير وعمل على ذلك بشكل سريع ومختصر ، فخابت ظنونه رغم جبروته .

    ولنا في رسول الله الأسوة والقدوة الحسنة في التدرج بالتغيير، وحتى وهو صلى الله عليه وسلم يمتلك القوة والسلطان عند فتح مكة ، لم يأمر كفار قريش حينها بدخول الإسلام وإلا سيقطع رقابهم ، بل عفا عنهم وامتلك قلوبهم بأخلاقه وقيمه الراقية العالية، فكان العفو هو الدواء الناجع الذي أذاب ما يحملون من عقيدة أو فكر مريض، فتتابع الناس في دخول الإسلام في وقت قصير، وهذا هو المرجو أن يحدث ليس في مصر، بل في كل بلد سارت أو تسير الأمور عكس الصالح العام ، و" ما كان الرِّفقُ في شيءٍ إِلا زانَه ، ولا نُزعَ من شيءٍ إِلا شانه " أو كما قال عليه الصلاة والسلام ..