الصورة الذهنية للعربي عند كثيرين في الشرق والغرب، تدور حول شخصين متناقضين
لا ثالث بينهما. الأول هو ذاك الشخص المترف النرجسي، الذي تُحركه نزوات وشهوات، عقيم
الفكر لا جدوى منه في عجلة التنمية العالمية.. يملك ثروة طائلة لا يدري كيف يستثمرها ومستمر في تبديدها هنا وهناك، يعيش
حياة كلها رفاهية ويديرها بكل سذاجة. صيد سهل لمن يريد أن يسرقه أو يستهبله. أما
الثاني فهو لاجئ وطريد ومهاجر يبحث عن موطئ قدم، حتى إذا ما دخل بلد المهجر، صار
عالة على ذاك البلد ..
فهل الإنسان العربي بهذه الصورة فعلاً ؟
إن قلنا بالنفي، فسيأتي
سؤال ويطرح نفسه في هذا المقام ويقول: فكيف نشأت إذن تلك الصورة الذهنية السيئة عند
كثيرين؟
وسائل
الإعلام الغربية، لاسيما تلك التي يسيطر عليها صهاينة أو يمينيين متطرفين كارهين
لكل ما هو غير غربي أبيض، لعبت دوراً مهماً في صناعة صورة ذهنية للإنسان العربي،
وبالغت فيه كثيراً حتى انتقلت العدوى بقدرة قادر أو حيلة ماكر، الى الإعلام العربي
نفسه الذي يُدار كثير من وسائله بأسماء عربية وإن بعقول ومناهج متغربة أو متصهينة،
فأمسى هذا الإعلام معيناً على نشر تلك الصور المسيئة للعرب، وعاملاً مساعداً على
ترسيخ تلك الصورة عند غير العرب..
حين نتحدث عن صورة الإنسان العربي، فهي نفسها لا تختلف عن تلك الصورة
الذهنية المرتبطة بالمسلمين في أنحاء العالم. فقد عملت وسائل إعلام كثيرة في
الفترات الأخيرة، عربية وغربية، على تشويه صورة الإنسان العربي لاسيما المسلم،
لأهداف سياسية معروفة، وربما ساعدها على ذلك بعض سلوكيات غير حضارية وغير مسؤولة
تصدر من بعض العرب أو المسلمين، أعطت
المجال واسعاً ورحباً لتلك الوسائل الإعلامية لإنتاج صور ذهنية بائسة عن العربي أو
المسلم، تعزز أهدافهم وما يرومون إليه، وهو ما نراه ونستشعره في عالم اليوم.
الصورة الذهنية عادة تنشأ، كما يقول
المشتغلون بعلم النفس، بعد تجارب واقعية من مشاهدات وتعاملات أو بناء على
معلومات مقروءة أو مسموعة أو مرئية مكثفة، أو عبر اشاعات أو غيرها من مصادر المعلومات، فتكون النتيجة بعد كل ذاك
الكم من المعلومات، نشوء صورة ذهنية معينة
عن شخص أو مؤسسة أو شركة أو منتَج أو ما شابه ذلك، بغض النظر عن إيجابية أو سلبية
الصورة الذهنية التي تكونت.
إشكالية الصورة الذهنية كامنة في صعوبة
تغييرها أو محوها وإزالتها من الذهن ما إن تثبت وتترسخ. ومن هنا تحرص كثير من
الجهات، سواء مؤسسات أو شركات أو حتى أفراد، أن تكون الصور الذهنية التي تبدأ تنشأ
في الأذهان عنهم، إيجابية راقية منذ البداية، لأن تعزيزها وترسيخها أسهل من حدوث
العكس وهو نشوء صورة سلبية، فإن إزالتها وتغييرها أو تعديلها، تكون غاية في
الصعوبة والأمثلة حولنا أكثر من أن نحصيها..
كيف إذن نغير صورتنا السلبية ؟
الإنسان العربي أو المسلم بادئ ذي
بدء، ليس من الملائكة أو من الأنبياء كي لا يخطئ أو لا تغلبه أمراض النفوس المتعددة،
شأنه شأن أي أحد يعيش على هذه الأرض. ومثلما أن هناك العربي المترف المسرف غير
العابئ بما حوله، فكذلك هناك الحكيم الواعي، المدرك لما يجري حوله ويتفاعل مع
الآخرين في العالم حوله بكل إنسانية وإيجابية. لكن حين يتم تسليط الأضواء على
السلبيات عبر وسائل الإعلام المختلفة، العربية منها والأجنبية، ويتم نشر تلك
السلبيات بتفاصيلها في المجالس والمنتديات ووسائل التواصل المختلفة وغيرها، فلا شك
أنها ستغلب على الجوانب الإيجابية وتعطي انطباعات سلبية لدى المتلقي.
حين تقوم وسائل الإعلام الأجنبية عن عمد وتجاهل في كثير من الأحيان، وتلقى
التأييد أو الصدى من بعض وسائل الإعلام العربية المتفرنجة أو المتصهينة، بتغييب
النماذج الواعية الحكيمة والراقية في فكرها ورؤيتها للأمور في المجتمع العربي من
مشرقه إلى مغربه، وتسلط الأَضواء على آخرين أقل حكمة وعلماً وثقافة وإدراكاً،
وتبرز الجوانب السلبية من حياة الإنسان العربي أو المجتمع العربي بشكل عام، فالمؤكد
أنها تقوم بترسيخ صورة ذهنية غاية في السوء والتشويه للعرب، تحتاج إلى سنين عديدة
وجهود إعلامية مستمرة وكبيرة ومتنوعة لتغيير تلك الصورة..
فما الحل ؟
الحل يكمن عندنا في الداخل العربي، قبل أن نذهب بعيداً الى الخارج. نحن من
يجب عليه رسم الصورة الذهنية الإيجابية أولاً عن أنفسنا، كي يرسمه غيرنا
أيضاً. نحن من عليه أن يحترم نفسه أولاً
كي يحترمه الآخرون كنتيجة طبيعية وبالضرورة. فهكذا هي قوانين التعاملات بين البشر.
هناك نوابغ من العرب والمسلمين في مجالات
عديدة. هناك مفكرون واستراتيجيون وهناك مثقفون وأدباء وكتّاب، مثلما هناك أطباء
وعلماء ومخترعون في تخصصات علمية مختلفة.. لماذا لا يظهرون في وسائل الإعلام
العربية قبل الأجنبية؟ لماذا لا تعطى لهم
نفس المساحات المتاحة لغيرهم من صعاليك الفن والأدب ومن على شاكلتهم في مجالات
أخرى؟ فلا يجب إذن أن نلوم، والحال هكذا، الغريب الأجنبي إن هو بدأ في رسم صور
سلبية عنا..
من هنا أقول: إن الحل يبدأ من إعلامنا العربي عبر تهذيبه وتنظيفه من شوائب
الفرنجة والصهينة المتغلغلة في شبكاته وإداراته، والكف عن تشويه صورتنا بقصد أو
غير قصد، قبل أن نطالب إعلام غيرنا بذلك، وهذه أولى وأصعب خطوات تغيير صورتنا
السلبية في أذهان العالمين، تتبعها خطوات أخرى أسهل وأيسر بكثير، وهذا لب موضوع
اليوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق