حرص سلفنا الصالح على الابتعاد عن اللغو في الحديث، أو كثرة الكلام
دون داع، وكانوا أشد حرصًا على قلة الكلام والميل نحو الصمت، ما لم تستدع الحاجة
إلى النطق أو الإكثار من الكلام لسبب وآخر.
ها هو
الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه، يقول: " من كثُر كلامه كثر لغطه، ومن كثر
لغطه كثر غلطه، ومن كثر غلطه قل ورعه، ومن قل ورعه قل دينه ". وهل هناك مصيبة
تحل بالمرء أعظم من قلة الدين؟
كلنا يذكر
حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ينصحه، حتى وصل
إلى الجزئية الخاصة بالكلام، فقال عليه الصلاة والسلام وهو يأخذ بلسانه:
".. كُفَ عليك هذا. فقلت: يا نبي الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال:
ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يُكَبُ الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا
حصائد ألسنتهم!".
من هذا
الحديث الشريف نفهم أهمية إدارة الكلمات، فإن إساءة إدارتها تأتي بمشكلات وربما
كوارث لا حصر لها، بسبب ما للكلمات من تأثير بالغ في النفس البشرية، وتأثيراتها
على علاقات البشر، وتعاملاتهم الحياتية المتنوعة.
من هنا
شدد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على معاذ رضي الله عنه على مسألة المنطوق من
الكلام عبر اللسان، وأهمية إدارتها بالحسنى وعدم إساءة استخدام القطعة اللحمية
المتحركة بالفم، التي يمكن أن تخسف بصاحبها أسفل سافلين، أو تصعد به إلى أعلى
عليين.
إذن،
مثلما أننا حريصون على إدارة حياتنا بالحسنى، فلابد أن تشمل تلك الإدارة كل ما
يخرج عن اللسان أيضًا، فالكلمة أنت مالكها والمسيطر عليها ما إن كانت بالفم لم
يترجمها اللسان بعدُ إلى ذات معنى، لكن حال خروجها من فمك، فلن تعود أنت المالك
لها أو المسيطر عليها، بل إن كل ما يمكنك فعله هو انتظار نتائج وتبعات ما خرج منك
من كلمات، قلّت أو كثُرت.. فانتبه يرحمني ويرحمك الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق