لا يمر يوم أو حتى لحظة على المرء منا إلا ويزداد
خبرة ويتسع أفقاً ويكبر عقلاً ، أو هكذا يفترض أن تسير الأمور مع الإنسان السليم
الصحيح الخالي من العيوب الفكرية .. ومن تلك المجالات التي يفترض أن يزداد المرء
خبرة وسعة في الأفق، مجال الحوار والتفاهم مع الغير، والرأي والرأي الآخر .
لكن حين يعطل المرء
منا نفسه ويقفل أبواب عقله وقلبه أمام خبرات الآخرين ، ولا يستفيد منها في مثل هذه
المجالات ، فإنه سيظل حبيس آراء نفسه ، ويظل معتقداً لفترات تطول ، أنه يمثل الرأي
الصواب دون غيره ! فيبدأ يتعمق ويفترض في رأيه ديمومة الصواب دون الآخرين ..
حين يظل المرء متمسكاً برأيه ومعتقداً صوابه وصحته وبطلان
رأي غيره، فإنما يقود نفسه إلى مرض نفسي أولاً ومن ثم يتبعه العضوي.. كيف ؟ هذا الإنسان يكون في حالة من عدم الاستقرار
وفي توتر مستمر، لا يشغل عقله سوى كيفية إثبات صحة رأيه وتخطئة آراء الآخرين،
الأمر الذي يجعله لا يرى الصواب بشكل واضح بسبب غشاوة تتكون على بصره قبل عقله، إذ
لا يرى سوى نفسه، ويلغي الآخرين.. هذا المرض النفسي الذي يصاحبه قلق وتوتر لا بد
وأن يتبعه أمراض عضوية أخرى كالقرحة وارتفاع الضغط وغيرها من تلك الأمراض التي
يتحدث عنها الأطباء..
لعلاج
هذه النواقص والمعايب فينا ، لابد أن يعي المرء منا إلى أنه ليس الكائن الوحيد
المفكر في محيطه وأن هناك من لديه القدرة أيضاً على أن يفكر ويشكّل رأياَ وجيهاً ،
وعليه بالتالي أن يتوقع احتمالية وجود
نسبة ولو ضئيلة من الصواب في الرأي المخالف له ، وبدلاً من الدخول في الصراع معه
على هذا الرأي ، عليه أن يستفيد من نسبة الصواب الضئيلة في الرأي المخالف ، لينطلق
منها في بناء علاقة ود وتفاهم مع المخالف ..
إنها دعوة
لتوسعة الآفاق والصدور لقبول الرأي الآخر من أجل الحق لا غيره ، ومن أجل حياة هادئة
خالية من التوترات والمنغصات، فهذا التنازل أراه ليس إلا نوعاً من الحكمة التي
قلما تجدها في الناس. إنها إذن دعوة للحكمة التي
هي ضالة المؤمن، أنّى وجدها أخذها..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق