أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الخميس، 13 فبراير 2025

تـرامـب .. قـارون العـصر

 

   

  لم يظهر في التاريخ من كان أشد كفراً وإجراماً من الفرعون الذي كان حاكماً لمصر في فترة نبي الله موسى عليه السلام.. الفرعون الذي ارتكب من الفظائع الكثير الكثير، واستمر على ذلك حتى ادعى الألوهية. لكنه في نهاية تلك الأحداث والمغامرات والجنون الذي أصابه، هلك في مشهد أذله الله خلاله هو وجنوده الظالمين، وصار عبرة لمن أراد أن يعتبر، وقليلٌ ما هم.

 وبالمثل انتهى الحال بوزيره قارون، أغنى من كان يعيش على الأرض في تلكم الفترة، والذي بلغ به الحد أن يقوم بما يشاء بقوة وتأثير سلطانه المالي، لكن في لحظات قليلة خسف الله به وبداره الأرض، ليكون عبرة لكل صاحب مال وجاه وثروة، يظن أنه قادر على أن يفعل ما يشاء وقتما يشاء بقوة ماله وجاهه وسلطانه.


   اليوم يحاول البعض محاكاة أفعال بعض مجرمي التاريخ والسير على خطاهم، دون قليل تأمل أو تدبر في نهايات أولئك. يمارسون الظلم بأنواعه، سواء مع شعوبهم أو الآخرين. وها هو العالم اليوم لا يستطيع أن يبعد أنظاره عن مجرم الحرب المطلوب للعدالة الدولية، النتن ياهو، وإلى الذي انضم إلى جنونه مؤخراً، حاكم صفيق بلا حياء ولا قيم، ويدير أكبر إمبراطورية بشرية حالياً كما لو أنه يدير شركة عقارية !

  ترامب أشغل العالم كله منذ أن جاء لسدة الرئاسة، رغم أن أكثر من ثلاثين قضية مرفوعة ضده لم تحسمها المحاكم الأمريكية بعد، والتي تأجلت بسبب فساد النظام الديمقراطي الذي لا يفرق بين مختل وعاقل، أو صالح وطالح.

يأتي ترامب اليوم متبعاً أسلوب الصدمة تلو الصدمة، ليتفرق دم معارضيه بين العديد من القضايا، ليتحدث بكل صفاقة عن غزة العزة، ليغرق العالم بمزيد من تفاهاته وتصريحاته اليومية، كأنما يتحدث عن جمهورية من جمهوريات الموز التي تستمتع واشنطن بإدارتها واستغلالها وتحريك رموزها وقيادتها كما أحجار على رقعة شطرنج.     

  يبدو أن هذا الرئيس الذي وصفته أمه بالحمق وعدم امتلاك حس سليم أو مهارات اجتماعية، وتمنت ألا يدخل عالم السياسة لأنه سيكون كارثة فعلية، يبدو أنه لم يتعلم من التاريخ أن الاغترار بقوة المال والسلاح عند الأمم السابقة كان القشة التي قصمت ظهورهم، وأن من كثُرَ كلامُهُ كثُرَ لغطُهُ، ومن كثُرَ لغطُهُ كثُرَ غلطُهُ، ومن كثُرَ غلطُهُ قلّ ورعُهُ – وترامب لا يُعرف عنه ورع أساساً -  ومن قلّ ورعُهُ قلّ دينُه، وترامب لا دين له سوى المال والمال فقط.       

 أمة تموت لتحيا   

  إن أمة صمدت أمام الحروب الصليبية المتتالية، ثم وباء المغول، وصولاً إلى وباء الاستعمار أو الاستدمار أو الغربي الحالي الذي أهلك الكثير من الحرث والنسل، هي أمة تستحق أن تكون نموذجاً للتدبر والتأمل، هذا إن كان هذا الصفيق يعي ويفهم حوادث التاريخ، قبل أن يتحدث بلغة عقارية مالية امبريالية عن شعب أصيل ينتمي لأمة عريقة ذات دين ورسالة.     

  
دون ريب أو أدنى شك، ترامب يسير على خطى قادة مجانين خلّد جنونهم التاريخ. لا يدري هذا الرئيس ما جرى لمسلمي بلاد الأفغان من كوارث ومجازر على يد امبراطورية السوفييت الملحدة، لكن لم تنتج عنها نهاية الأمر سوى تحرر الوطن وبقاء الشعب الأفغاني حراً في بلده يبنيه من جديد، فيما انسحب جيش الظالمين مهزوماً مدحوراً أواخر 1989 لتنهار بعد ذلك الإمبراطورية بعد عامين فقط.

ويبدو كذك لا يدري أن هذا الشعب تعرض من جديد لظلم صليبي غاشم ولكن هذه المرة عبر احتلال أمريكي مجرم في 2001 وما جلبه من كوارث على الشعب الأفغاني، بقيادة مجرمين من أمثال بوش الإبن وحثالة أخرى هلكت أو بلغ بهم العمر أرذله، مثل ديك تشيني ورامسفيلد وغيرهم.. ورغم ذلك الاحتلال الذي استمر عشرين عاماً، انتهى به الحال أيضاً إلى الانسحاب مدحوراً مهزوماً صيف 2021 ، مهما حاول الإعلام الأمريكي تزيين المشهد.  


 إن شعباً مسلماً فقيراً قاوم وصمد أمام أعتى قوتين ظهرتا في التاريخ، الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وقدم مئات الألوف من الشهداء، دليل على أن هذه أمة لن تموت، مهما تبلغ قوة ووحشية معسكرات الكفر والضلال ضدها. فإن ماتت في ركن ما، بُعثت في ركن آخر، لتحيا وتعمر الأرض.

   اليوم يعيد شعب غزة قصة الأفغان من جديد. فما حدث خلال عام ونصف العام الفائت من عدوان أمريكي صهيوني غربي على غزة، لم يدمر سوى مبان وأحجار وأشجار، مع أنفس بريئة، نحسبهم شهداء عند ربهم. لكن أولئك المجرمين ما أدركوا أن العدوان رسخ معنى الوطن في النفوس الغزاوية بشكل أعمق، وصار الارتباط بالأرض جزءاً من العقيدة، والتفريط بها، تفريط بعقيدتهم.


 غـزة ليست عقاراً للبيع 

    ما درى العدوان الصهيوأمريكي على غزة أن هناك نفوساً عظيمة أبية شامخة تأبى الذل، وتفهم لغة وعقلية العدو، هي التي تمسك بمفاصل القطاع، لن يخدعها مخادع فاجر كذاب مثل ترامب أو غيره من الغرب أو العرب. نفوس تربت على العزة والإيمان بأن الله مع المتقين، ومع الصابرين، ومع الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بينان مرصوص. هؤلاء لم ولن يفهمهم ترامب أو النتن ياهو ومن على شاكلتهم.


  لن يفهم هؤلاء الصهاينة والملحدين ومن على شاكلتهم من الشرق والغرب، أن من يعيش في غزة يرجون أن يكونوا ضمن من ذكرهم النبي الكريم في حديثه :" لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم.. " فربما هذا الرجاء في نفوس المجاهدين الغزيين هو الذي دفعهم لهذا الثبات والصمود والشموخ الأسطوري أمام أعداء الله منذ أن نزل وباء الصهيونية على فلسطين، وأنهم مستمرون أيضاً على ذلك أمام ترامب وحبيبه النتن ياهو أو غيرهم من زعماء ظاهرين، وآخرين في الخفاء قد حان كشفهم !

   إنّ استرداد الحقوق لا يمكن تحقيقه بمفاوضات عبثية، ومؤتمرات فارغة ووعود كاذبة. وما كان طوفان الأقصى إلا نتاج فهم عميق ووعي تام لتجارب السابقين في بلاد الأفغان مع الأعداء، ودروس متنوعة من تاريخ هذه الأمة. ولهذا يمكن القول بأن غزة ستكون بإذن الله عصية على القاصي والداني، الصليبي منهم أو الصهيوني.

   

كل مجاهد غزاوي في المعسكر المؤمن يدرك تمام الإدراك أن المعسكر الكافر المقابل، مثله مثل سابقيه على مدار التاريخ، لا يفهم إلا لغة القوة، ولن يردعه ويدحره ويجعله يرجع القهقرى، إلا الثبات أمامه حتى آخر قطرة من دمه وآخر رصاصة في جيبه.

  ها هي غزة تنتظر دخول جنود قارون العصر، أو التاجر الجشع ترامب عليهم، لتبدأ معهم ملحمة جديدة، بعد أن خرج الآلاف من جنود النتن ياهو في الأكفان، أو بعاهات مستديمة، كي يعلم قارون العصر أن غزة ليست عقاراً للبيع، إذ قبل بيعها، عليه التعامل مع عشرات الألوف من مجاهدين يشرون أنفسهم ابتغاء مرضات الله، فذلك هو الربح الأكيد الذي لم ولن يفهمه ترامب أو أمثاله من قارونيي العصر، قطع الله دابرهم ومن والاهم وأيدهم، وحفظ الله أمة محمد من كيد الضالين والمغضوب عليهم، ووقانا من شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن..     

           

الخميس، 16 يناير 2025

حان وقت التغـيير

 

 


   إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. حقيقة حياتية لا ريب فيها. والآية الكريمة إشارة واضحة إلى أن تغيير واقع ما نحو الأفضل، إنما يتطلب أولاً أن يقع التغيير في الذين يقومون على أمر ذلك الواقع، سواء كانوا على شكل أفراد أو على هيئة كيانات سياسية، إدارية، مالية أو غيرها.

وبصورة أكثر وضوحاً، على شكل شركات، وزارات، دول، أمم وغيرها.  

 

  يحكى أن ملكاً كان يحكم دولة واسعة جداً، وأراد هذا الملك القيام برحلة برية طويلة ذات يوم. وبعد أن قطع شوطاً في الرحلة، بدأ في رحلة الرجوع، وخلال العودة وجد أن أقدامه تورمت بسبب كثرة المشي في الطرق الوعرة، فأصدر أمراً يقضي بتغطية كل شوارع المملكة بالجلد !

 لكن أحد المستشارين حوله، أشار عليه برأي آخر وجده أفضل مما ذكره الملك نفسه، وهو صناعة قطعة جلد صغيرة تكون تحت قدمي الملك فقط تمنع تورم قدميه. فارتاح الملك وأراح من كان حوله من عمل ضخم بلا جدوى، فكانت تلك الفكرة أيضاً بداية صناعة الأحذية - أعزكم الله.

   العبرة من القصة أنه إذا ما أردت أن تعيش سعيداً في هذه الحياة، فلا تحاول تغيير كل الحياة أو كل العالم، بل ابدأ مشروع التغيير في نفسك أولاً، وابذل جهدك عليه، ومن ثم ابدأ في تغيير ما حولك من بشر وحياة بقدر ما تستطيع.

 

   إن أراد نفرٌ تغيير واقع شركة مفلسة مثلاً، أو وزارة فوضوية أو حتى دولة متدهورة أحوالها، فلا بد أن يحدث التغيير أولاً فيمن سيقومون على أمر التغيير. سواء كان على شكل إعادة تأهيلهم وتدريبهم، أو حتى ابعادهم عن مواقع الإدارة والمسؤولية. ومن ثم يتم بعد ذلك تغيير الأنظمة والإجراءات والقوانين في تلك الكيانات. وهكذا، يكون أولئك النفر قد بدأوا الخطوات الأولى في تجسيد الآية أو أحد أبرز قوانين التغيير الحياتية ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ).


   تغيير الكيانات البشرية إلى الأفضل حسب هذا القانون، يتطلب أن تطول عمليات التغيير كل الفاسدين والظلمة، والمرجفين والمنافقين، وكذلك المستفيدين من أوضاع التردي وأشباههم كثير كثير. إن مثل هذه التغييرات لا يمكن تحقيقها بالأماني والأحلام. بل بعمل صحيح ووفق رؤى سليمة بعيدة، وعلى أيدٍ مخلصة أمينة، ترى التغيير هو الحل الأنجع والأنجح في تغيير واقع سلبي محبط كئيب، إلى واقع آخر مشرق إيجابي سعيد.


   التغيير لا يمكنه أن يكون فاعلاً واقعاً ذا تأثير عميق ما لم يكن ناتجاً عن رغبة عارمة جازمة حازمة، وفيما غير ذلك لن يكون القيام بالعملية التغييرية بالصورة المثالية من تلك التي ترى أثرها إيجابياً على الواقع المراد تغييره.

   إذن واحدة من شروط التغيير الأساسية أن يكون بناء على رغبة عارمة في إحداث التغيير. وكلمة عارمة تفيد هذا المعنى. أي أن تتكون لدى راغبي التغيير، نهمٌ وشغف بتغيير ما يرغبون في تغييره، بحيث لا يمكن أن يحول بينهم وبين التغيير حائل، أو يمنعهم مانع.  

   بهذه الروح وبهذا التصميم وذاك الحزم، ستتغير الأمور والوقائع، لأن هذا هو المنطق السليم في التغيير كما بينته الآية الكريمة. نقطة البداية تكون من الداخل، سواء كانت على شكل أفراد أو لوائح وإجراءات أو أخلاقيات وقيم أو غيرها من عوامل التدهور والواقع السيء الذي عليه الكيان المراد تغييره، وتغيير ما يحيط به. ثم بعد ذلك ينتقل التغيير تدريجياً نحو الخارج أو المحيط.. 

 

 ولنا في رسولنا الكريم الأسوة والقدوة الحسنة.

 لاحظ وبتوجيه إلهي، كيف بدأ تغيير واقع متكلس جاهل غارق في الظلم والفوضى، ونقله إلى واقع آخر بشكل مختلف تماماً. فهو صلى الله عليه وسلم بدأ بعملية التغيير من الداخل أولاً، فأنذر عشيرته الأقربين، وشرح لهم دعوته.

هكذا بدأ بهم ثم توسع تدريجياً في اختيار من سيكون لهم أدوارهم المؤثرة قريباً في عملية تغيير واسعة شاملة، وهكذا تدريجياً خلال سنوات ثلاث حتى اكتملت العملية بفضل من الله، لتتواصل عمليات التغيير يوماً بعد آخر وتكتمل خلال ثلاثة وعشرين عاماً حافلة، ليأتي عليه الصلاة والسلام ويقرأ على أصحابه ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) .  

والله سبحانه كفيلٌ بكل جميل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.