أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الخميس، 6 مارس 2014

لماذا تم سحب السفراء ؟

   هي خطوة مفاجئة للشعوب الخليجية.. تلك التي قامت بها السعودية والإمارات والبحرين بسحب سفرائها من قطر، بعد أن جاء في بيانهم أن قرار السحب بسبب تدخلات قطر في الشؤون الداخلية لها وتأثير المواقف القطرية على "الأمن الخليجي"!! وغيرها من مبررات أقل ما يمكن أن نطلق عليها أنها هلامية وفضفاضة..

لكن الرد القطري ظهر أكثر هدوءاً واتزاناً وثقة، حيث أعربت قطر عن أسفها واستغرابها لقرار الدول الثلاث الذي اعتبرته لا علاقة له بمصالح الشعوب الخليجية وأمنها واستقرارها، بل له صلة باختلاف في المواقف بشأن قضايا واقعة خارج دول مجلس التعاون. لكن حرص قطر على روابط الأخوة بين الشعب القطري والشعوب الخليجية الشقيقة منعها من اتخاذ إجراء مماثل بسحب سفرائها، وفق البيان الذي أصدره مجلس الوزراء القطري..

    واضح أن مسألة سحب السفراء تم تدبيرها بليل، وأن المأمول كان شيئاً غير ما ظهر على العلن. لقد كان خلو بيان سحب السفراء من اسمي الكويت وعمان، صدمة للدول الثلاث، فإن ذلك يعني انقسام المجلس في هذا الأمر، فلا تدري بالتالي من المصيب ومن المخطئ.. هذه نقطة أولى.

   النقطة الثانية كما يبدو من بيان الدول الثلاث، أن الموقف من أزمة مصر احد الأسباب الرئيسية لقرار سحب السفراء، وهو القرار الذي عادة يُتخذ حين تصل الأمور الى درجة عميقة من الإنغلاق السياسي أو الدبلوماسي بين الدول، أو هو مؤشر ودلالة على عمق أزمة دبلوماسية واقعة لم يتم إيجاد حل لها.

   موقف قطر مؤخراً من أزمة مصر يبدو أنه لم يعجب الدول الثلاث، التي ترى أن قطر ملزمة بالتوافق مع الأعضاء الآخرين في المجلس تجاه الأزمة، وهو ما تبين أن قطر كانت في البداية مع تحكيم العقل والمنطق بعد الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي، ولكن اتضح موقفها أكثر بعد أن سالت دماء المصريين، فأظهرت قطر موقفها للجميع أنها ضد هذا المسلك، فيما الدول الثلاث ضخت المليارات ومازالت تدعم الحاصل في مصر حالياً، وقد كانت توقعاتها بأن الأمر سينتهي في غضون أسابيع قليلة، ولكن ما إن بدا أن الأمر طال أكثر من اللازم، بل ومرشح لأن يطول أكثر، فقد تسبب في إحداث الكثير من الضغوط على السعودية والإمارات نظراً لارتباطهما بالتزامات مادية مع حكومة ما بعد مرسي، وامتناع قطر عن الدعم، الأمر الذي أحرج الدولتين سياسياً واقتصادياً، واعتبرت موقف قطر بعدم الدعم، خروجا عن التوافق الخليجي ومهددا لأمن المنطقة ودولها !!


  أمر آخر أعتبره من دوافع اتخاذ الدول الثلاث لقرارها بسحب السفراء من قطر، هو انزعاجهم الشديد من إمكانيات قناة الجزيرة في كشف الأمور، وعدم قدرة قنوات أخرى تم إنشاؤها خصيصاً لتنافس الجزيرة في الفضاء وتؤثر، حيث تحولت الى أشبه بالنائحات المستأجرات، لا روح ولا شعور..

  حين طلبت الدول الثلاث من قطر عدم مساندة الإعلام المعادي ويقصدون بذلك الجزيرة، فقد تناسوا ما تقوم به قنوات فضائية ووسائل إعلامية كثيرة مدعومة من الدول الثلاث، لاسيما الإمارات والسعودية وتوجيهها نحو قطر، فهل طلبت الدوحة من تلك الدول وقف مساندتها ووقف حملاتها الإعلامية ضدها؟ لم ولن يحدث هذا، بدليل أنك تجد صحفاً خليجية وعربية تباع في قطر وفي صفحاتها هجوم ونقد هدام غير مؤدب ضد قطر، وبشكل بعيد كل البعد عن المهنية والموضوعية.. إن مطالبة الدول الثلاث بوقف مساندة الإعلام المعادي، إنما هو تناقض واضح بين ما تقول وما تفعل.

   إن كانت هناك أزمات داخلية في الدول الثلاث، فما علاقة قطر بها؟ ولماذا تريد الدول الثلاث تحويل الأنظار والاهتمام عن تلك الأزمات، عبر خلق أزمة خارجية تثير الانتباه لحين من الدهر، لا يطول عادة ؟ ألم يكن من الأجدر بالدول الثلاث تأجيل مثل هذا الأمر ومناقشته داخلياً، كما هي عادة الدول الأعضاء طوال العقود الثلاثة الماضية حول الكثير من القضايا، بدلاً من إثارتها الآن، في وقت تعصف بالمنطقة وحولها أزمات تثير الكثير من الارتباك؟

   ختاماً، نؤكد أن ما جرى من الدول الثلاث تجاه قطر، لن يؤثر على الشعوب كما يُراد لها أن تكون، من توتر وغيره، فالشعوب الخليجية تدرك جيداً عمق علاقاتها البينية وأن القرارات السياسية لأنظمة الحكم فيها لن تؤثر، بل لا يجب أن تؤثر على تلاحمها وتعاونها وترابطها.

  إن أمن الخليج من أمن الشعـوب ومن أمن قطر، ولا يمكن لقطر أن تفرط في هذا الأمر، فأي ارتباك أمني هنا أو هناك فإن قطر معنية به وتتأثر كما غيرها من دول الخليج، والإدعاء بأن قطر تهدد أمن المنطقة، هو إدعاء غير منطقي ويحتاج الى كثير من الأدلة والبراهين الصادقة، التي عجزت الدول الثلاث عن توفيرها وإظهارها للرأي العام الخليجي بكل وضوح، سوى بعض تقارير أو أخبار منشورة في وسائل إعلام، نعرف جميعاً مصادر تمويلها التي لا تخرج عن الدول الثلاث! فلا عجب إذن حينها أن تكون قطر مهددة للأمن في المنطقة..