يمكن القول بادئ ذي بدء بأن الدوحة نجحت باقتدار في تحقيق الهدف من التجمع العربي الإسلامي الكبير، قبل أيام مضت، والتي تم الإعداد لها في وقت قياسي، لتجد الدوحة نتيجة ذلك الجهد، تضامناً عربياً إسلامياً كهدف أول، يؤكد أهمية الدور القطري في السلام العالمي، كأحداث غزة في المقام الأول، وغيرها من جهود هنا وهناك في عمليات إحلال السلام حول العالم.
كما يمكن القول في الوقت نفسه، بأن الدوحة نجحت في لفت انتباه العالم أكثر فأكثر إلى ما يحدث في غزة من عدوان وحملة إبادة ممنهجة، وأن العدو المزروع في قلب هذه الأمة، غادر جبان لا يمكن الوثوق به، وقد أكدت كلمات معظم الزعماء والقادة ذلك، حيث كانت كلماتهم بالإضافة إلى أنها تضامنية مع قطر، واضحة المطالب والمغزى أيضاً فيما يتعلق بالعدوان على غزة، والدعوة إلى إجراءات وخطوات جادة.
الدبلوماسية القطرية إذن، وإن نجحت في القمة العربية الإسلامية في تحقيق هدفين كما أسلفنا، أحدهما كسب تضامن عربي إسلامي، والآخر التأكيد على خيانة وجبن العدو، الذي لا تردعه إدانات أو عبارات شجب واستنكار، إلا أن نجاح القمة لم يكتمل، وهذا بشهادة جل المتابعين والمراقبين، سببه غياب الإجراءات والخطوات العملية القابلة للتنفيذ على أرض الواقع، بحيث تكون موجعة للعدو على كافة الأصعدة.
لكن رغم ذلك، لا أحد ينكر أن الدوحة سعت وبذلت
كل جهد ممكن عبر القمة، من أجل صناعة رأي عام عربي إسلامي، يعزز المشاعر الملتهبة
حول العالم المضادة للإجرام والفكر الصهيوني. لكن مرة أخرى، وعلى قدر أهمية هذه
الخطوة، وأهمية حملات التوعية الإعلامية بخطورة الفكر الصهيوني على البشرية كلها، بقت
هناك جوانب أخرى منتظرة في المواجهة مع هذا العدو لم يتم تفعيلها، وهي كلها كانت
بحاجة لتكاتف الجميع..
خذ على ذلك بعض الأمثلة..
· الدول العربية التي تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني، لم تطرح واحدة منها في القمة أي مقترح بقطع العلاقات مع الكيان الغادر مثلاً، أو حتى إعادة مناقشتها، أو على أقل تقدير التهديد بتجميدها. تلك خطوة لو تم التصريح بها، لكانت مؤثرة نوعاً ما.
· دول أخرى إسلامية تقيم علاقات دبلوماسية وتجارية وعسكرية مع الكيان الصهيوني، وقد حضرت القمة، لكن لم يصدر عنها أي مقترح يمكن أن يجعل العدو الغادر يتمهل في اندفاعاته المجنونة في حملة الإبادة المستمرة في غزة، واستباحة أجواء الدول العربية وغيرها، وانتهاك سياداتها.
· كثير من الدول العربية والإسلامية التي حضرت
القمة، والتي للولايات المتحدة قواعد عسكرية على أراضيها، لم تتقدم بأي مقترح يكون
بنداً رئيسياً على جدول أعمال المؤتمر، يناقش جدوى تلك القواعد في حماية أمن تلكم
البلدان مثلاً.
مشكلة الأمة في تفرّقها
الأمة بحاجة إلى استثمار الوعي
العالمي المتصاعد بشأن خطورة الفكر الصهيوني، والاستفادة من التحولات العالمية هنا
وهناك، إلى جانب الأحداث الجارية في كثير من بقاع العالم، والتي لا ريب أن طوفان
الأقصى كان عاملًا رئيسياً في حدوثها، واعتبار كل ما يحدث منذ السابع من أكتوبر، فرصاً
مطلوب استثمارها بشكل صحيح وفي وقتها الصحيح المناسب.
القمة العربية الإسلامية الأخيرة
بالدوحة ختاماً، وإن لم تحقق ما يشفي غليل الملايين بالشكل المأمول، إلا أنها نجحت
في اظهار الأمة ككيان يمكن أن يلعب دوراً رائداً في العالم، إذا ما أراد أبناؤه
ذلك، بشرط أن يؤمنوا بقدراتهم وإمكاناتهم، واتخاذ خطوات عملية في ظل ما يجري من
تحولات في هذا العالم، والذي يتسابق كل أحد في أن يكون له دوره في البناء والتشكيل
لقرن قادم، أو ربما أكثر..
نعم، لابد أن نكون كياناً يبني ويساعد في التشكيل، قبل أن يُبنى علينا ويتم
تشكيلنا !
والله غالبٌ على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.