أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الاثنين، 7 فبراير 2022

من هو السفيه ؟

  



أنؤمن كما آمن السفهاء؟ روحٌ متعالية متكبرة، وبسبب هذا التعالي وهذا التكبر، انحرف كثيرون وضلوا عن الصراط المستقيم، قد قالها أولون لأنبيائهم، وتكرر الأمر ممن جاء بعدهم من المصلحين والمجددين، وما زال الأمر يتكرر اليوم وغداً وإلى ما شاء الله أن تدوم هذه الحياة.


  أنؤمن كما آمن السفهاء؟ أتريدنا يا محمد - هكذا قال المنافقون في المدينة - أن نكون مثل أتباعك الفقراء والمساكين ونحن من نحن؟ وقد قيلت له - صلى الله عليه وسلم - العبارة بذات المعنى في مكة، من صناديد وزعماء قريش.

   السفاهة صفة لصيقة بالنفاق والمنافقين، إذ إن من صفتهم - كما يقول سيد قطب في ظلاله - التطاول والتعالي على عامة الناس، ليكسبوا لأنفسهم مقاماً زائفاً في أعين الناس (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون). وواضح أن الدعوة التي كانت موجهة إليهم في المدينة هي أن يؤمنوا الإيمان الخالص المستقيم المتجرد من الأهواء، إيمان المخلصين الذين دخلوا في السلم كافة، وأسلموا وجوههم لله، وفتحوا صدورهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوجههم فيستجيبون بكليتهم مخلصين متجردين.

ويواصل صاحب الظلال قائلاً: «هؤلاء هم الناس الذين كان المنافقون يدعون ليؤمنوا مثلهم هذا الإيمان الخالص الواضح المستقيم. وواضح أنهم كانوا يأنفون من هذا الاستسلام للرسول - صلى الله عليه وسلم - ويرونه خاصاً بفقراء الناس غير لائق بالعلية ذوي المقام! ومن ثم قالوا قولتهم هذه (أنؤمن كما آمن السفهاء) ومن ثم جاءهم الرد الحاسم، والتقرير الجازم (ألا إنهم هم السفهاء، ولكن لا يعلمون) ومتى علم السفيه أنه سفيه؟ ومتى استشعر المنحرف أنه بعيد عن المسلك القويم؟.

ما هي السفاهة؟
يمكن القول بأن السفاهة هي عدم استخدام العقل بحكمة، وعدم استثمار المعرفة في موضعها، واستبداد في الرأي حين يكون المطلوب عدالة ومساواة في موقف ما، مع مطاوعة الشيطان في كثير من الأمور وضعف في الدين ملحوظ، وهو ما يدعو السفيه إلى مخالفة الحق أينما كان. تلكم بعض علامات السفاهة، التي إن رأيت منها واحدة في شخص ما فلا تتردد في نعته بالسفيه، أما الذي تراه وقد اجتمعت فيه كلها، فهذا يكون قد بلغ قمة السفاهة.

   المشركون عبّاد الأوثان من الحجر والشجر والدواب وغيرهم، كانت تلك طريقتهم في التعامل مع أصحاب وأتباع الأنبياء والمرسلين، دعتهم قدراتهم المالية ومكانتهم الاجتماعية، مع غلبة الاستبداد والطغيان واتباع الشيطان، إلى نعت أولئك الأتباع بالأراذل والسفهاء، وما كان السفهاء حينذاك إلا هم أنفسهم وما كانوا يشعرون.

 مثلما السفهاء على مر الزمان اعتادوا على مضايقة أنبياء الله ورسله وأتباعهم، ونعتهم بأقبح الأوصاف، واستهزائهم المتنوع بدعواتهم، فإن قطار السفهاء ما زال يسير في سكة الضلال والإضلال، ويركبه كثيرون، يواصلون عمليات أسلافهم من الاستهزاء وإطلاق الأوصاف على المصلحين والمجددين، يبثون الشكوك في النفوس تجاه الدين وتعاليمه، والتهوين من شأنها وإظهارها بصورة مشوهة، يريدون القول إنها من أسباب التخلف عن المواكب الحضارية .

قد لا يكون هؤلاء السفهاء المستهزئون بالقيم والدين والأخلاق، من خارج الملة كما كان سفهاء الماضي، حين كان هناك فريق الحق وفريق الباطل. اليوم ربما تجدهم من الملة نفسها، وهو ما يزيد في أمر تشكيك الناس في شؤون دينهم وصالح أعمالهم، يستخدمون كل الوسائل الممكنة لعمليات التشكيك والاستهزاء - أو إن صح وجاز لنا التعبير- استمرار سفاهتهم وكشفها على الملأ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .




من هو السفيه؟

من يعطل عقله ويعمل بهواه، سفيه.
ومن كلما اشتهى اشترى، سفيه.
ومن يبذر ويسرف ولا يخرج حق الله في أمواله، سفيه.
ومن يفتي بغير علم، سفيه.
ومن يتطاول على الآخرين بماله وجاهه ومنصبه، سفيه.
ومن يقود الناس على غير هدى ورؤى، سفيه.
ومن يبيع دينه بدنيا غيره، سفيه.
ومن يتبع سفهاء وسائل التواصل الاجتماعي، سفيه.
ومن يكثر كلامه فتكثر سقطاته وزلاته، سفيه.
والرويبضة الذي يتكلم في أمور العامة، سفيه.
ومن يجادل بغير علم ويتعمق في المراء، سفيه.
قائمة السفهاء حولنا تطول وتطول.. وربما بعد ذكر تلكم القائمة، تتساءل وتقول:
ما العمل أو كيف يمكن التعامل معهم؟

التعامل مع السفهاء
دون كثير مقدمات، أجد أهمية العمل على ألا يتصدر السفهاء أمور العامة بشكل مباشر على شكل وظائف ومسؤوليات عامة، أو بشكل غير مباشر عبر قيادة الناس عبر وسائل التواصل أو غيرها من وسائل الإعلام. ففي الحديث الصحيح: سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة.
من ذلك أيضاً التحذير من إمارة السفهاء، كما قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة عندما قال له: (أعاذك الله من إمارة السفهاء) قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: (أمراء يكونون من بعدي، لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون عليَّ حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون عليَّ حوضي.. ).

من طرق التعامل مع السفهاء أيضاً، ألا تدخل في جدال عقيم معهم، مثلما ذهب إلى ذلك الإمام الشافعي، حين قال:
يخاطبُني السفيهُ بكل قُبح
فأكرهُ أن أكون له مُجيبا
يزيد سفاهة وأزيدُ حـلماً
كعود زاده الإحراق طيبا
وأخيراً وليس آخرا.. الأخذ بالوصية القرآنية في قوله تعالى (خذ العفو وأمر بالعُرف وأعرض عن الجاهلين). ليكن خُلُق العفو والصفح من أعمالك اليومية. لا ترد على جهالة وشر السفهاء بالمثل، لأن عدم الرد بالمثل، ربما فيه دعوة للسفيه أن يتنبه لحاله، وفي الوقت ذاته يكون لك أجر كظم الغيظ والإعراض عن الجاهلين.. والله دوماً كفيل بكل جميل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ليست هناك تعليقات: