أتدري ما مشكلتنا الحقيقية
في الحياة أو أين تكمن، والتي بسببها نعاني ونشعر بالتوتر حيناً وفورات من الغضب
حيناً آخر؟ أحسبُ أنها كامنة في ذلك السعي الحثيث والجري الدائم بحثاً عن ذلكم
المصطلح المعنوي المسمى بالسعادة، ولا نجدها، وإن وجدناها فلا تلبث أن تغادر
وتختفي، ليبدأ البحث من جديد عنها.. وهلم جرا.
نبحث هنا وهناك وفي هذا وذاك، لكن دونما جدوى أو
فائدة تُرجى، فنرجع إلى أنفسنا وقد اعترانا همٌ وكدرٌ أننا لم نجد ما نبحث عنه رغم
بذل أقصى الجهود.. لماذا؟ لأننا نحن من لا يريدها، وإن بدا علينا خلاف ذلك!! كيف
لا أريدها وأنا ألهث خلفها؟ وحتى أجيب وأكون أكثر دقة، أقول: نحن من لا يعرف كيفية
الالتقاء مع هذه المعشوقة، مراد كل بني البشر..
نحن نعتبر السعادة كامنة في شيء أو
أشياء معينة، حتى إذا ما حصلنا على ذاك الشيء وجدنا أنفسنا وقد بحثنا عن آخر قبل
أن نستمتع به ونسعد ونفرح به!! وهكذا نظل نطارد تلك السعادة عبر أشياء ورغبات، وهي
بكل تأكيد، وبحسب طريقتنا في البحث عن السعادة لن نجدها ونعيشها بالصورة
المأمولة.. وإليكم بعض الأمثلة.
المرء منا وهو في الثانوية يعتقد أن سعادته يوم أن
يتخرج ويحصل على الشهادة، فإذا حصل عليها يجد أن سعادته في دخول الجامعة وفي
التخصص المحبوب لنفسه، وبعدها يكتشف أن السعادة الحقيقية في التخرج والتخلص من هم
الدراسة والحصول على الشهادة الجامعية، حيث سيكون حينها أسعد البشر.
حصل على الشهادة الجامعية أخيراً، فإذا به يرى
السعادة التي يبحث عنها يوم أن يجد عملاً مناسباً، وما إن يحصل عليه تراه ينتظر
سعادته أن تتحقق في الترقية وبعد قليل في الحصول على منصب، ثم الحصول على العلاوة
الفلانية.. ثم تجده فجأة وقد اكتشف أنه غير سعيد لأنه لم يتزوج بعد، فالزواج بكل
تأكيد هو السعادة ذاتها.
يتزوج من يحبها، أو ليس شرطاً دائماً أن يتزوج من
يحب، لكنه يتزوج كغيره، فلا تمضي فترة قصيرة حتى يشعر هذه المرة مع زوجته أن
سعادتهما في الأبناء، وبعد أن يحصلا على الأبناء تكون السعادة المرجوة هي في أن
يكبرا في عافية وصحة بلا أمراض وأكدار. حتى إذا ما وصل الأبناء إلى سن النضج
والمراهقة، يتعرف الوالدان على قمة السعادة الحقيقية الكامنة في تجاوز أبنائهما
مرحلة المراهقة الخطرة، ومن ثم يدعوان الله أن يسعدهما فيهم وهم قد حصلوا على
الثانوية وبعدها الجامعة فالعمل ثم الزواج والأحفاد... قصة طويلة لا تنتهي.
هل رأيتم كيف هي حياة البشر؟ إذن مشكلتنا كامنة في
عدم واقعيتنا؛ إذ إننا لا نعيش اللحظة ولا نتقن كيفية استشعار جمالها وحلاوتها..
ولأننا لا نعيش اللحظة ونتطلع دائماً إلى مرحلة ما بعد اللحظة، محاولين التعرف على
ملامحها وما تحملها، تجدنا نفقد السعادة المرافقة في لحظتنا الراهنة لأي أمر،
معتقدين أن السعادة هناك، حيث لا سعادة، إلا هناك فقط !!
أين هناك؟
لا أحد يدري..
وبهكذا طريقة في التفكير، تمضي بنا الحياة حتى يأتينا اليقين..