إغلاق العقل أمام آراء الآخرين يورث أمراضاً نفسية وعضوية في الوقت ذاته. فمن تجارب عديدة مررت بها في عالم الرأي والرأي الآخر، وجدت أن التصلب في الرأي والاعتزاز به وتسفيه الرأي الآخر أو التقليل من شأنه، من أبرز أسباب التوتر وعدم الاستقرار.
لا أقول إنني من النوع الذي يسفه آراء الآخرين ويقلل من شأنها، لست من ذاك النوع ولله الحمد، ولكن مررت بفترة ماضية قصيرة لم تطل ولله الحمد، لم أكن أسمح لآراء الآخرين المضادة لآرائي أن تعبر إلى عقلي، أو أن أدع نفسي قليلاً للتفكر في تلك الآراء المضادة. لماذا؟ لا أدري حقيقة ولكن هكذا كنت وللأسف وربما مر كثيرون غيري بالموقف ذاته في فترة ما..
ولأن الإنسان كلما يمر يوم عليه يزداد خبرة ويتسع أفقاً ويكبر عقلاً، أو هكذا يُفترض أن تسير الأمور مع الإنسان السليم الصحيح الخالي من العيوب الفكرية، فقد رأيت وتيقنت أن صد آراء الغير لمجرد أنها لا تتوافق مع آرائي، هو قمة التخلف العقلي،إن صح وجاز لنا التعبير.
لماذا لا أقبل رأي غيري؟ ولماذا أفترض أنني على صواب دائماً؟ ولماذا أفترض في الآخرين مما قد لا يكون صحيحاً البتة؟ بل حتى لو كان الصواب والحق معي بالفعل وبشهادة آخرين، فإن هذا لا يمنع أبداً من أستمع إلى الغير، فلعل في هذا الرأي المضاد ما يفيدني في حياتي بشكل عام .. لماذا لا أنظر إلى احتمالية وجود نسبة ولو ضئيلة من الصواب في الرأي المخالف؟ لماذا لا أستفيد من هذه النسبة الضئيلة بدلاً من التركيز على النسبة الكبيرة الخاطئة ، فإن إيقاد شمعة أفضل من لعن الظلام، كما يقول المثل الصيني.
حين يظل المرء متمسكاً برأيه ومعتقداً صوابه وصحته وبطلان رأي غيره، فإنما هو يقود نفسه إلى مرض نفسي أولاً ومن ثم يتبعه العضوي.. فهذا الإنسان يكون في حال عدم استقرار وتوتر مستمرين ، لا يُشغل عقله سوى كيفية إثبات صحة رأيه وتخطئة آراء الآخرين، الأمر الذي يجعله لا يرى الصواب، وبالتالي تتكون غشاوة على بصره قبل عقله، فلا يرى سوى نفسه، ويلغي الآخرين. وهذا المرض النفسي الذي يصاحبه القلق والتوتر لا بد وأن يتبعه أمراض عضوية أخرى كالقرحة وارتفاع الضغط وغيرها من تلك الأمراض التي يتحدث عنها الأطباء..
أحسب أن المرء منا تكفيه أمراض العصر المختلفة التي تأتيه دون أن يكون هو السبب فيها، فلماذا يسعى البعض منا إلى جلب أمراض لنفسه وبيده هو لا غيره؟ ومن هنا أجدها مناسبة أن أدعو للتنازل عن التصلب في الرأي ، في سبيل استمتاعك بحياة هادئة خالية من التوترات والمنغصات، وتأكد أن هذا التنازل ليس إلا نوعاً من الحكمة التي قلما تجدها في الناس ، وبسببه يقل عدد الحكماء إن أردت البحث عنهم في أي مجتمع.. إنها دعوة للحكمة التي هي ضالة المؤمن، أنى وجدها أخذها..
فهل تفعل أو تفعلين؟ إني لأرجو ذلك الآن وقبل فوات الأوان ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق