أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الأربعاء، 10 أكتوبر 2012

الإقصائية .. ظاهرة جديدة تستوجب المقاومة ..


  دون مقدمات ، فإن ما يحدث مثلاً في بعض المجتمعات الكبيرة مثل المجتمع المصري أو التونسي أو السعودي على سبيل المثال لا الحصر، وكنماذج نستشهد بها في مقال اليوم ، فإن مسألة الإقصاء تكبر يوماً بعد يوم ، وتجد حولها عوامل دفعها وتضخيمها الى درجة عميقة مؤثرة ، وقد تصل بها الى حد التعملق بعد حين من الدهر قصير ..

   الإقصاء بتعريف بسيط مختصر أرجو ألا يخل بالمعنى كثيراً ، هو احتكار فئة ما في المجتمع لحقيقة معينة دون الآخرين ، والاعتقاد بأن الإلمام ومعرفة تلك الحقيقة قاصرة عليها دون غيرها ، وأنه بالتالي يجوز لها أن تبعد الآخرين عنها لعدم فهمها وإلمامها الكافي بجوهر تلك الحقيقة ، بعض النظر عن جوهر وماهية تلك الحقيقة، أكانت دينية أم سياسية أم اقتصادية أم غيرها من حقائق الحياة المتنوعة التي نتأثر بها بصورة وأخرى .

  لنضرب على ما نقول بعض الأمثلة لكي تتضح معالم المشهد الذي أريد التوقف عنده وفتح باب النقاش حوله .. خذ المثال الأول الذي يبدو على شكل ما يجري في مجتمع كبير مثل المجتمع المصري أو المجتمع السعودي .. هناك فئة معينة تعتقد أن فهم الدين مقتصر عليها ، وقد يصل بها الزعم والظن أنها الفرقة الدينية الناجية التي بغير فهمها لن ينجو أحد ، ومصير البقية إما الامتثال لما هي عليها من فهم أو الخروج من الملة كنتيجة حتمية لعدم الاستيعاب والفهم ! وبصورة أخرى ، ترغب القول في ضرورة تقسيم المجتمع الى فرقتين ، لا ثالث لهما. فرقة ناجية خيّرة ، وأخرى هالكة شريرة ، أو هكذا قد يصل الفهم .

   ولو استمر الأمر على ذلك فالإقصاء قد وقع قولاً وفعلاً . وليت الأمر ينتهي عند الإقصاء فقط ، إذن لهان الأمر بعض الشيء ، من باب لكم دينكم ولي دين، ولكن ما يحدث هو أن الإقصاء ما هو إلا  بداية لحدث عظيم وفتنة كبيرة لا يعلم مداها إلا الله ، وسيعيش المجتمع بهذا التقسيم أو هذه الإقصائية المخلة بتوازن أي مجتمع ، في توتر دائم واحتقان أدوم ، كبركان يغلي وينتظر ساعة انفجاره .

   مثال آخر على موضوع الإقصاء ، وحتى لا يُظن أن البوصلة متجهة على من يظنون فهم الدين دون الاخرين فقط ، هو ما يحدث من آخرين الذين يمارسون الدور نفسه ، ولكن ليس في مجال الدين وإنما مجال فهم السياسة وإدارة شؤون البلاد ، وهذا اتضح أو يتضح جلياً كل يوم في المجتمعات التي حصل فيها التغيير بفعل الثورات ، وأقصد مجتمعات مصر وتونس وليبيا كأبرز المجتمعات التي يمكن الاستدلال بها في موضوع الإقصاء .
   
  ظهرت بعد التغييرات في البلدان الثلاثة ، فئة تزعم احتكار فهم حقيقة السياسة وأنها الأجدر بالبقاء في هذا المجال دون غيرها من فئات المجتمع ، وبالتالي تريد أن تقصي الآخرين عن هذا المجال وتظل تتفاعل مع كل خطأ مهما صغُر وبدا هامشياً غير مؤثر، فتعمل على تضخيمه لاثبات صحة مزاعمها وأنه بسبب تولي فئات ما لها في السياسة وإدارة شؤون البلاد من نصيب ، ترتبك الدولة وتتسبب في عدم الاستقرار وغيرها من مزاعم .

   من هنا تبدو أن فكرة الإقصائية ليست في عقول من يشتغلون بالدين أو العلم الشرعي أو الديني فحسب ، بل هناك في عقول المشتغلين بالسياسة أيضاً ، سواء أكانوا على دراية بعلم السياسة وإدارة البلاد أم لا ، وكذلك في عقول المشتغلين بالاقتصاد وغيرهم من مجالات المجتمع المتنوعة .

   الكل يريد أن يحتفظ بمصالحه المتشابكة بالبقاء في المجال الذي يعتقد أن خروجه منه سيفقده الكثير ، ولا يجد من حيلة سوى تفعيل فكرة الاقصاء عبر مزاعم واتهامات ضد كل من ليس في محيطه او فلكه يدور أو هكذا هو الحاصل الآن ..

   ماذا يمكن أن تسمي اتهامات فئة لغيرها بعدم فهم حقيقة الدين مثلاً وبالعمق الذي عندها ؟ وماذا يمكن أن تسمي اتهامات آخرين لغيرهم بعدم فهم حقيقة السياسة أو الاقتصاد أو الاعلام أو الرياضة أو غيرها من مجالات عمل متنوعة  وبالعمق الذي عندهم ؟ إنها وسائل لتبشيع صورة من يريد أن يشاركهم في المجال.

  الإقصائية ، حالة تحدث في كل مجتمع حديث يتطلع لتنمية نفسه بعد عهد من التأخر والانحطاط وغيرها . وما تتفاعل الإقصائية إلا في مثل هذه الظروف التي يشعر كل طرف عاش سنين عديدة وهو يرعى مصالحه، وإذا به يجد منافسين قد وصلوا إليه بسبب وعي قد حصل وفهم قد وقع وغشاوة عن العين انقشعت .. وبمعنى آخر ، يمكن فهم الإقصائية أو الإقصائيين على أنهم فئة تريد أن تحتكر مصالح معينة في حدود ضيقة ، ولا بأس عندها بدخول حروب خفية أو ظاهرة مع فئات من بني جنسها ومجتمعها، ولو كانت النتيجة غير ذي جدوى على الصالح العام ..

  من هنا يتبين لي اهمية وضرورة محاربة الإقصائيين كأولوية في أي مجتمع حديث يريد ان يبني نفسه من جديد ، والأمر بالمثل لكل مجتمع وإن بدا مستقراً أن يمنع ظهور مثل هذا الفكر الذي لا هو من الدين في شيء ولا الأخلاق والنبل والمرؤة ..   
  

ليست هناك تعليقات: