أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

من يقف وراء المايكرفون ؟


    ليس الإلقاء هو ذاك الوقوف التصنعي المتكلف أمام عدد من الجمهور ، وإمطارهم بسيل من الكلمات ، قد لا تستوعبها أنت المتحدث ذاتك ، فضلا عن الجمهور الجالس والمترقب لما تقول وليس الإلقاء أن تتخلص من الكلمات التي أعددتها وحفظتها في عقلك ، ثم ترجمتها الى كلمات مكتوبة وقراءتها على الجمهور ، دون الاكتراث بما قد يكون عليه الجمهور حال الإلقاء ، سواء أكانوا معك أم مع غيرك خارج مكان الحديث . كما أن الإلقاء ليس هو ذاك الاسترسال في الحديث دون توقف أو استراحة، كما لو أن أمراً بالغا في الصعوبة تترقبه ، وتريد التخلص من الهم الذي أنت تحمله .

   كثيرون منا استمعوا الى محاضرين وخطباء في مناسبات عديدة ، منها التي ذهبنا بأنفسنا إليها ، ومنها ما كان الإجبار وسيلة للزج بنا في مواقع من تلك التي يجلس المرء منا ساعات وهو يستمع ، لا يدري ما الخطب ، ولم هو هناك ، ولماذا يتم تعذيبه بتلك الطريقة ؟! وكثيرون منا أيضا صفق لمحاضرين وخطباء طويلا ، وتمنى البعض منا لو أن المحاضر أو الخطيب يواصل ولا ينقطع . وبالمثل تأمل كثيرون منا ساعاته وأطال النظر فيها ، كما لو أنها نادرة لم تقدر يد على صنعها من قبل ! وليس ذاك الفعل عن شيء سوى أن المحاضر أو الخطيب هو من  دعانا الى ذلك التأمل وإدامة النظر فيها ، واليه يرجع الفضل كذلك في تدبير كثير من الأمور والتخطيط لها في الدماغ ونحن جلوس لا نعمل سوى التأمل فيما المحاضر يثرثر .  

   من ذلك يتبين لنا أن الإلقاء فن ، مثله مثل من يتصدى للغناء أو التمثيل أو الرسم أو أداء رياضة معينة ومثلما تلك المهن أو الأعمال تحتاج الى مهارات عالية ، وكثرة تدريب ممنهج ومخطط له ، فكذلك الإلقاء . إنه فن قائم بذاته ، ليس كل من وقف وراء مكبر الصوت وألقى كلمات محفوظة أو مكتوبة ، يمكن أن يطلق عليه خطيب . لا ، ليس الأمر بالسهولة تلك ولكن ليست صعبة في الوقت ذاته ، فالتحدث الى الناس مثلما أنه موهبة بالأصل ، فإنه أيضا مهارة يمكن اكتسابها بالتدريب والإرادة والتصميم .

  عمل يحتاج الى كثير من الصبر والمثابرة . إن لاعب كرة القدم مثلا ،  يحتاج الى سنوات من التدريب المستمر وتعلم فنون ومهارات اللعبة ، حتى يصل الى المستوى الذي تتهافت المؤسسات الرياضية عليه مقابل مبالغ مالية طائلة  .

  والأمر نفسه مع المتحدث الماهر المبدع ، الذي ما إن تسمع له عن مشاركة له في محاضرة او ندوة أو مهرجان جماهيري ، إلا وسارعت  الى الحضور من أجله هو لا غيره . وهناك كثيرون من أولئك من تمتلئ القاعات أو المساجد بالمستمعين إليهم حين يتحدثون ، وما ذلك إلا لأنهم عرفوا كيفية توصيل ما بأنفسهم الى نفوس المستمعين . والى أمثال هؤلاء نتطلع أن نراهم في جوامعنا وجامعاتنا .. وللحديث بقية .. 

ليست هناك تعليقات: