في واحدة من خطبه الجماهيرية أيام العز ، قال الدكتاتور الإيطالي الشهير موسوليني من ضمن ما قاله في خطبته :" ... اتبعوني كلما تقدمت بكم إلى الأمام .. أما إذا تراجعت فاقتلوني .. وإذا هُزمتُ فانتقموا مني وعلقوني من ساقي " .. وتحقق له ما أراد .. وإليكم قصته .
موسولويني عاش التناقضات كلها في حياته .. إذ على الرغم من أنه عاش قصة حب رومانسية عجيبة مع عشيقته كلارا منذ فترة مبكرة من حياته، إلا أن ذلك لم يفد في ضبط أفكاره وسلوكياته .. فقد عُرف بالطغيان والقسوة منذ بدايات حياته أيضاً . ولقد كان معلماً قاسياً على طلابه حتى أطلقوا عليه " طاغية " . ويبدو أن العقل الباطن استوعب الكلمة فصار يبرمج حياة صاحبه ليكون طاغية من طغاة القرن العشرين ، وقد كان ..
من التناقضات في حياة موسوليني أنه سجن في ايطاليا لرفضه قيام بلاده باحتلال ليبيا لأنه كان يريد أن تقوم إيطاليا بحروب طبقية لا حروب استعمارية ، مثلما صديقه وملهمه هتلر .. كان يريد التفوق للجنس الإيطالي وليس إلى مستعمرات ونهب ثروات .. وعارض قيام الحرب العالمية الأولى لكنه سرعان ما دخل مع الحلفاء الحرب ، وقاد حملات بلاده لاحتلال ليبيا !!
ظروف كثيرة ساعدته للوصول لسدة الحكم في ايطاليا فصار رئيساً للوزراء واستبشر الشعب الإيطالي به وظنوا أنه سيأخذ بإيطاليا إلى الآفاق ويعيد مجد الإمبراطورية الرومانية .. لكنه وبسبب تركيبته الشخصية النفسية المتناقضة ، انقلب على الشعب فصار طاغية بمعنى الكلمة ، وقسى على شعبه وبث الرعب في النفوس ، وتخلص من معارضيه وحكم ايطاليا بقوة الحديد والنار فلا صوت يعلو صوته ولا صورة تُعلق في البلاد غير صورته ..
هكذا عاش الشعب الذي تفاءل به في البداية ، ليتمنى العودة للحكم السابق .. عاش الشعب الإيطالي خائفاً مرعوباً ، وقامت عصابات موسولويني تعيث فساداً في الأرض ، تقتل وتقمع وتخنق أي صوت معارض .. حتى تهلهل الكيان الاقتصادي لإيطاليا خاصة بعد دخولها الحرب العالمية الثانية ، وبدأ التململ في الشارع الإيطالي وبدأت النفوس تتذمر من موسولويني وبدأ جدار الخوف منه ينكسر حتى قرر المجلس الأعلى الفاشي إقالته .. ولم يتقبل الأمر وعارض ودخل في إشكاليات مع الدولة وتحالف مع هتلر .
لم يصدق موسوليني أنه خارج الحكم ولم يتقبل الأمر وكافح واستقر في إحدى المدن ، وفي اعتقاده أن بها الكثير من المناصرين والموالين له ، ولم يدر أن الأمور تتغير بسرعة .. فتناثر المؤيدون هنا وهناك وابتعدوا عنه إلى أن أيقن بأهمية قبول الأمر الواقع ، فقرر الهروب سراً مع عشيقته كلارا إلى سويسرا ، وهرب متخفياً بزي الجنود الألمان في شاحنة نقل الجنود . لكن القوات الوطنية الإيطالية اكتشفته فألقي القبض عليه ..
وتمت محاكمته وأعدم في 28 ابريل عام 1945 وأعدمت عشيقته أيضا لأنها لم تتركه إلى آخر لحظة ! وتم إعدام الكثيرين من أتباعه ممن أعمى الله أبصارهم وقلوبهم . وظلت جثثهم معلقة في الميدان إلى أن تم نقلهم في شاحنة إلى مدينة ميلانو وتم تعليقهم مرة أخرى ولكن من أرجلهم لكي يشاهد الشعب الإيطالي ويتأكد أن الديكتاتور قد تم إعدامه فعلاً . وتحقق كلامه فعلاً ومات مقلوباً كما أراد ..
هكذا مصير أي طاغية يرعب ويرهب ويحتقر أو يستصغر شعبه . لا يمكن أن يستمر أبداً وإن طال الزمن به . إن المشكلة في الطغاة هو روح الكبر التي تسيطر عليهم الى الثواني الأخيرة من حياتهم . لا يعتبرون ولا يستفيدون من دروس التاريخ ومن تجارب من سبقوهم .. ومن كان أكثر جبروتاً وطغيانا من فرعون ؟ ورغم ذلك أخزاه الله وأنجاه الله ببدنه ليكون آية وعبرة لمن بعده ..
مات موسولويني مشنوقاً معلقاً من رجليه وظل أياماً في ميدان عام يبصق الشعب عليه طويلاً يستهزأون به كما استهزأ بهم طويلاً .. فهل اعتبر من جاء بعده من طغاة وجبابرة ؟ لا ، لم يستفد أحد .. وأحسب أن في ذلك حكمة ، وهي أن يرى المقهورون والمظلومون ظالمهم وقاهرهم وهو في أذل الأوضاع وأخزى المشاهد ، لكي تقر أعينهم بموته ذليلاً صاغراً يشفي بعض ما في صدورهم ..
هناك تعليق واحد:
جزاكم الله خيرا
إرسال تعليق