أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

السبت، 14 يونيو 2025

كره الله انبعاثهم

     

 من هؤلاء الذين كره الله خروجهم للجهاد والقتال مع خير خلق الله محمد، صلى الله عليه وسلم ؟ من هم هؤلاء الأشقياء الذين انكشف أمرهم من فوق سبع سماوات، وكره الله وجودهم مع المسلمين في الجهاد، فكره بالتالي المسلمون وجودهم أيضاً ؟  


  لا شك أنهم قوم لا خير فيهم، أو لا خير يُرجى من ورائهم إن قرروا الانضمام لجيش المسلمين والخروج معهم. فهؤلاء علم الله أن خروجهم لن يكون في صالح عباده المجاهدين المتقين، فلم يرد الله بذلك أن يخرجوا معهم. إنهم الذين نطقوا الشهادة بألسنتهم، ولم تبلغ تأثيرات تلكم الشهادة الراقية إلى قلوبهم، فعاشوا حياة النفاق والشقاق، وكانوا مصدر تشويش وتوتر للمجتمع المسلم، ومصدر كل إشاعة وكل كذبة أو فرية، ومصدر بالغ التأثير في التخذيل والإرجاف. إنهم أتباع ابن أبي بن سلول، الذين وإن هلك في ذاك الزمان هو ومن معه، فإن قطار النفاق يزداد عدد ركابه في كل زمان ومكان، بل لا زال يسير على خط ابن سلول حتى يوم الناس هذا ! 


   على رغم أن أولئك كانوا من الميسورين مادياً، وباستطاعتهم تجهيز أنفسهم للخروج إلى الجهاد، أو تجهيز آخرين كأضعف الإيمان، إلا أن كل ذلك كان نفاقاً. هم في الحقيقة ما أرادوا الخروج ( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عـدة ) وهذا تكذيب لزعمهم أنّهم تهيّأوا للغزو ثم عرضت لهم الأعذار فاستأذنوا في القعود، لأنّ عدم إعدادهم العُدّة للجهاد دلّ على انتفاء إرادتهم الخروج إلى الغزو، كما يقول ابن عاشور في تفسيره.

 

لماذا كره الله انبعاثهم؟ 

   إنّ الكراهية الإلهية لمجرد وجودهم في ميادين الجهاد مع خير جيل ظهر في الأمة، كانت بمثابة تعليمات للفئة المؤمنة، صريحة ولا تهاون فيها، فإن ما وقع منهم يوم الخروج إلى معركة أحد كمثال بارز، وتأثيرهم على ثلث الجيش حتى انسحب ذلك الثلث وهم في منتصف الطريق، هو أمر ليس باليسير، بل من كبائر الأفعال والذنوب، أو ما نسميه اليوم بالخيانة. وليس من شك أن أمر الإنسحاب وخلخلة صفوف الجيش في منتصف الطريق، كان أمراً تم الترتيب له من قبل أولئك المكروه انبعاثهم وانخراطهم في صفوف المجاهدين.

  
   أفعالهم الدنيئة تكررت في مشاهد أخرى كادت أن تشق وحدة المجتمع المسلم، وتسببت في مشكلات كانت الدولة المسلمة في غنى عنها وهي في بدايات التكوين. ومن هنا كانت الكراهية الإلهية لوجود أمثال هؤلاء في أي عمل جهادي ضد أعداء الأمة، ثابتة وواضحة. وهذه الكراهية أو الأمر الإلهي لا ريب أنه ساري المفعول حتى يوم الناس هذا، بل إلى قيام الساعة.

   لقد كره الله انبعاث أهل النفاق في المدينة إلى أي عمل ضد أعداء الله وأعداء رسوله والمسلمين، لأن خروجهم كما يقول سبحانه ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ) أي فساداً وشراً وتهويلاً للأمر، والقيام بنشر الجبن والخوف بين الصفوف، بل أكثر من ذلك ( ولأوضعـوا خلالكم يبغونكم الفتنة ) وهو نشر الأكاذيب والإشاعات والقيام بأعمال النميمة والإيقاع بين المجاهدين أنفسهم. وإنّ ما يحدث في غزة منذ السابع من أكتوبر المجيد، يشرح لك تفصيلات ما كان في مجتمع المدينة المنورة آنذاك، وحركة النفاق والتخذيل والإرجاف، سواء من داخل فلسطين المحتلة أم من خارجها ولاسيما الجوار والمحيط العربي، لا تهدأ ولا تتوقف ! 

  

ابن سلول في غـزة 

   مشاهد النفاق والتخذيل والإرجاف التي كانت بالمدينة المنورة، هي نفسها التي تحدث أمام أعيننا الآن في غزة، وكيف صار ينتشر خلسة، أولئك الذين كره الله انبعاثهم بين مجاهدي غزة، وكيف صاروا ينشرون الفتن في البيئة الحاضنة لهم، وكيف تقوم وسائل إعلامية فلسطينية وأخرى عربية بتحريف الحقائق، وبث كل ما يعمل على توهين العزائم، وبث اليأس في النفوس..

    لهذا كله، كره الله انبعاثهم وانخراطهم في مشاهد غزة الأبية، وبالتالي ليس غريباً أن نرى هذا الجمود العربي المسلم نحو غزة، خاصة في الجوار القريب. ذلك أن ما يقوم به عرب ومعهم فلسطينيين أيضاً، فاق الإجرام اليهودي الصهيوني. فكيف لو دخلت فعلاً قوات عربية بزعم الدفاع عن غزة ؟ لا شك عندي أنها لن تزيد غزة إلا خبالاً، أو فساداً وشراً، ولن تكون تلك القوات سوى عوناً للمجرم الصهيوني ضد المقاومة، عبر شبكة عملاء وجواسيس وغيرها من أنواع الخبال.

   إن الآيات التي تحدثت عن فريق ابن سلول قبل ألف وأربعمئة عام، وتكره أي عمل لهم مع المجاهدين، كأنما هي اليوم تتنزل من جديد، تكره أن يتدخل أحد من العرب والمسلمين في غزة، أو يدخل وينضم لصفوف الكتائب المجاهدة هناك بحجة الدفاع.. فلو علم الله فيهم خيراً لكان تحركهم منذ البدايات، ولكن لفساد القلوب وغلبة النفاق والشقاق، حدث هذا التأخير والتباطوء والتخاذل، وسيكون دخولهم خبالاً ووبالاً على المجاهدين الصابرين. وكأنما الله يريد نصراً لأهل غزة الصابر المقاومين، لا يشاركهم أو يزعم أحد غيرهم أن له يد في ذلك النصر..

 

لب الحديث

إنْ نَصَرَ اللهُ مجاهدي غزة بأي صورة من الصور، فالنصر والمجد هم يستحقونهما، لا أحد غيرهم، ولن يكون لأحد من البشر أي فضل عليهم. أما إن حدث العكس، وتأخر النصر لحكمة ربانية، فيكفيهم شرف الجهاد والاستشهاد..

 لكن وعد الله نافذ ( إن تنصروا الله ينصركم ) وما من شك في أن أهل غزة يحاولون جهدهم أن ينصروا الله كي ينالوا نصره المؤزر المبين.

 ( ويقولون متى هو، قل عسى أن يكون قريبا).

  

الخميس، 17 أبريل 2025

هل نعيش زمن اختفاء الإسلام ؟

 



هل من الطبيعي أن ترى شباباً مسلمين من الجنسين وفي بلاد المسلمين، تسألهم عن عدد ركعات صلاة المغرب، فيتلعثم البعض، ويتردد آخر، ويخطئ الباقي؟!

هل من الطبيعي أن لا يدري كثير من المسلمين، لاسيما الجيل الشاب، عدد أركان الإسلام؟

هل من الطبيعي ألا يعرف الناس أسماء الأنبياء؟

هل من الطبيعي ألا يشعر كثير من المسلمين عن معاناة مسلمين آخرين في مشارق الأرض ومغاربها ؟

هل من الطبيعي أن يعيش جيل مسلم شاب على تفاهات الأشياء والأولويات في فوضى عارمة عنده؟

هل وصلنا إلى مرحلة غربة الإسلام أو صار الإسلام غريبا؟

هل نعيش زمن اختفاء الإسلام بحيث لا يبقى منه سوى كلمة التوحيد؟

الأسئلة لا تنتهي ..

 

   نعم، الأسئلة لا تنتهي ولكن الأمر لا شك أنه مؤلم أولاً، ومن ثم مخيف ومحبط في الوقت نفسه ثانياً، ويدعو بالتالي إلى كثير تأمل وتدبر ثالثاً، ثم رابعاً وأخيراً، أهمية أن يتحول ذلكم التأمل والتدبر إلى برامج وخطط عملية واقعية، تصحح تلك المشاهد وتعيدها إلى طبيعتها، عبر آليات ووسائل وجهات رسمية تنفذها وأخرى شعبية تعاونها.


   شخصياً لا أريد ولا أتمنى أن يكون هذا الزمن الذي نعيشه هو ما حدّث به الصحابي الكريم حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه، عن الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، وهو يصف مشهداً مؤلماً وغريباً في الوقت نفسه وسيصل إليه المسلمون حتماً في زمن ما، حيث لا يعرف الناس حينها ما الإسلام، فضلاً عن معرفة أحكامه وشرائعه وتفاصيل أخرى !

فماذا قال حذيفة في رواية له عن الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم؟ 

   قال :" يُدْرَسُ الإسلامُ، كما يُدْرَسُ وشْيُ الثوب، حتى لا يُدْرَى ما صيامٌ ؟ ولا صلاة ولا نُسك ولا صدقة، ويُسْرَى على كتاب الله في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس، الشيخُ الكبيرُ، والعجوزُ يقولون: أدركْنا آباءَنا على هذه الكلمة، يقولون : لا إله إلا الله، فنحن نقولها .." إلى آخر الحديث. 

أي أن الإسلام سوف يُدْرسُ كما يُدْرسُ وشْيُ الثوب، أي تنمحي آثاره وتعاليمه كما تنمحي نقوش الثوب مع الزمن وتختفي.


   الشاهد من الموضوع أن التساؤلات المطروحة في مقدمة المقال، لا يمنع مانع من ربطها بهذا الحديث، واعتبارها مؤشرات على أننا ربما نعيش فعلاً هذا الزمن الذي تحدث عنه الرسول الكريم، أو ربما نكون في بدايات تشكّل هذا الزمن أو العهد الذي ستنمحي آثار وتعاليم الإسلام فيه.

  

التقنية في خدمة الإسلام  

 حرفياً لا شيء يمنع أن يكون هذا الزمن هو المعني في الحديث، ولكن سيكون غريباً بعض الشيء. وجه الاستغراب يأتى من كيفية وصول مسلم إلى مستوى معرفي هابط لا يدري فيه عن الدين سوى لا إله إلا الله، بل ربما لا يدري إن كان مسلماً أو ماذا يعني أن يكون مسلماً، في وقت نشهد طفرة علمية معرفية وتقنية غير مسبوقة في تاريخ البشرية، والمرشحة لأن تتطور سريعاً سريعاً في قادم العقود وليست القرون، وبشكل لا يعلم مداها إلا الله.  

  اليوم مثلاً، ومن بعد ثورتي التقنيات والمعلومات اللتين بدأتا منذ أكثر من عشرين عاماً، صار أمر التعليم والتعلم أكثر يسراً وسهولة، والبحث عن المعلومة لا تأخذ منك جهداً كالذي كان قبل ثلاثة أو أربعة عقود مثلاً، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي أبرز مؤشرات هذا التطور المتسارع.. فكيف والحال المعرفي والتقني هكذا، ويحدث للمسلمين ما يحدث من جهل بالدين وحقائقه وأساسياته ؟

  كيف لمسلم أن يصل إلى ذلكم الفقر المعرفي فيما يتعلق بدينه، واليوم بفضل الله ثم التقنيات المعلوماتية والتواصلية، صار جُل العالم يعرف عن الإسلام والمسلمين أكثر مما مضى، وصار أمر البحث أو الوصول إلى معرفة الإسلام غاية في السهولة، ويحصل الباحث على مبتغاه في أي زمان وأي مكان؟

   لقد اهتدى الآلاف إلى هذا الدين بفضل التقدم العلمي والمعرفي الذي نعيشه الآن، ثم صارت تتعلم وتتفقه ذاتياً في الدين عبر هذه الوسائل، دون حاجة للتواصل البشري مع أساتذة وعلماء وفقهاء وغيرهم ممن لهم علم ودراية بالدين وتفاصيله، إلا بعد حين من الزمن.


 المسلمون يجهلون دينهم

أيُعقل بعد كل هذا وفي ظل هذا التقدم المعرفي المذهل أن يجهل المسلم أبسط أساسيات دينه؟ نعم، يمكن أن يصل المسلمون إلى هذا المستوى الهابط في معرفة دينهم، والرسول الكريم لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يوحى. ولا شيء يمنع حدوث ما أخبرنا به صلى الله عليه وسلم، وإن كان في اعتقادي رغم ذلك، يحتاج الأمر لبعض الوقت، لكن لا أظنه طويلا !


   لو تتأمل معي وتمعن النظر في تلك الجهود المستمرة النشطة، والخطط المحكمة، التي تُبذل هنا وهناك لسلخ المسلمين عن دينهم وعقيدتهم وثقافتهم في مواقع جغرافية شتى، لاسيما العربية منها، وإغراقهم بشتى الملذات والملهيات أو المنغصات والمشكلات، حتى رأينا فعلياً مسلمين لا يدري أحدهم عن دينه سوى لا إله إلا الله في مثل هذا الوقت من التقدم العلمي والمعرفي والتقني البشري الهائل، لوجدت أن من كُنّا نعتقدهم المقصودين في أحاديث آخر الزمان والذين سيأتون بعد قرون عدة أو آلاف السنين من الآن، ما هم إلا نحن مسلمي اليوم !


 ماذا يعـني هذا؟

 يعني أهمية التنبه لخطر مشهد يُراد له أن يتجسد على أرض الواقع، وقد بدأت آثاره بالظهور فعلياً، ومن المحتمل أن تتعمق أكثر فأكثر ما لم نتدارك هذا المشهد ونصححه. نحن اليوم في خطر اتساع دائرة الجهل بالدين، رغم التقدم العلمي والمعرفي والتقني الهائل، والتي من المفترض أن تزيد مستخدميها علماً ونوراً وفهماً، لكن الواقع الحالي للمسلمين يقول غير هذا.

   علماء وفقهاء الدين توزعت بهم السبل ما بين اتجاه البعض للإنزواء والبحث عن الأمان، أو تورط قسم آخر مع القصور ودواوين السلاطين، أو قسم ثالث أراد الإصلاح، فوجد نفسه في غياهب السجون والمعتقلات، وقسم رابع أخير صار ضررهم أكثر من نفعهم. بينما في الوقت ذاته ينتشر دعاة على أبواب جهنم،  وتنتشر وتتراكم الأفكار الفاسدة والفلسفات والملهيات هنا وهناك، عن أيماننا وشمائلنا، ومن فوقنا وتحتنا، بل من كل اتجاهات أرضنا !

فاللهم قنا شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن. وعلّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما.