الاثنين، 22 أغسطس 2016

من هو محمود حتى يُنصر ؟



    قيل في شجاعته، إنه لم يُر على ظهر فرس أشجع ولا أثبت منه .. وقال له يوماً الفقيه الشافعي المشهور في ذاك الزمان، قطب الدين النيسابوري ، بعد أن رأى إقدامه في الحروب ضد الإفرنج:" بالله يا مولانا السلطان، لا تخاطر بنفسك؛ فإنك لو قُتلت قُتل جميع من معك وأُخذت البلاد، وفسد المسلمون؛ فقال له صاحبنا الشجاع: اسكت يا قطب الدين، فإن قولك إساءة أدب مع الله، ومن هو محمود؟ من كان يحفظ الدين والبلاد قبلي غير الذي لا إله إلا هو؟ قال: فبكى من كان حاضراً رحمه الله.


   من هو محمود ؟ كما قال عن نفسه يستصغرها. من هذا الذي تخافون أن يموت، وبموته قد يفسد المسلمون وتضيع البلاد؟ من هذا الذي يتحدث عن نفسه بيقين وإيمان كالجبال أن الحافظ هو الله الذي لا إله إلا هو؟ إنه من عرفناه في التاريخ باسم نور الدين محمود زنكي، الملك العادل، وأحد من كان له الفضل بعد الله في إعداد وتجهيز صلاح الدين الأيوبي، لمهام عظيمة قادمة.

   مما جاء في سيرته أنه كان شجاعاً  مقداماً، يتقدم الجند وقت الهجوم، ويكون حاميهم وقت الشدة والهجوم المضاد.. وحدث أن التقت قواته بالصليبيين في منطقة تسمى تل حارم بدمياط، حيث كانوا يفوقونهم في العدد والعدة، فانفرد نور الدين تحت تل حارم، وسجد لربه عز وجل، وتضرع قائلاً:" يا رب هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أولياءك على أعدائك، أيش فضول محمود في الوسط - أي يا رب إن نصرت المسلمين فدينك نصرت، فلا تمنعهم النصر بسبب محمود - وواصل الدعاء:" اللهم انصر دينك ولا تنصر محموداً.. من هو محمود الكلب حتى يُنصر؟ ".


  هكذا كان الوضع متوتراً حتى رحل الإفرنج، وقد قيل بأن أحد العلماء المقربين من نور الدين زنكي، رأى ليلة رحيل الإفرنج في منامه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال له: أَعْلِمْ نور الدين أن الإفرنج قد رحلوا عن دمياط في هذه الليلة، فقال: يا رسول الله، ربما لا يصدقني، فأذكر لي علامة يعرفها، فقال: قل له بعلامة ما سجدت على تل حارم وقلت: يا رب انصر دينك ولا تنصر محموداً، من هو محمود الكلب حتى يُنصر؟ ". 
  
  قام العالم من نومه مبهوتاً يبحث عن الملك، حتى وجده يصلي بالمسجد قبل دخول وقت الفجر، فتعرض له فسأله عن أمره، فيقول:" أخبرته بقصة المنام وذكرتُ له العلامة، إلا أنني لم أذكر لفظة الكلب، فقال نور الدين: أذكر العلامة كلها، وألح علي في ذلك، فقلتها، فبكى رحمه الله ". وصدق الرؤيا، فجاء الخبر بعد ذلك برحيل الإفرنج في تلك الليلة.

 هكذا تصلح الرعية بصلاح ولاتها وقادتها، ونور الدين زنكي نموذج من كثيرين في هذه الأمة، ممن حياتهم تستحق أن تكون دروساً وعبراً وأمثلة، للاقتداء والدراسة والتأمل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق