السبت، 6 فبراير 2016

صفوة الناس ..



  في اللغة أن صفوة كل شيء ما صفا منه وخلُص، أو خيار الأشياء وأحسنها . ونقول صفوة المجتمع أي خيار الناس.. وبالطبع تلك الخيرية لها معاييرها الخاصة التي ربما تختلف من مجتمع إلى آخر أو ثقافة وأخرى .. لاحظ أن الذين خرجوا إلى بدر الكبرى من الصحابة لم يتجاوز عددهم الثلاثمئة وبضع رجال، في الوقت الذي كان عدد الصحابة من المهاجرين والأنصار بالمدينة ، أكبر من ذلك بكثير، وكان قد خرج أولئك النفر الثلاثمئة لمهمة محددة ، تغيرت في لحظة معينة حرجة لحكمة أرادها الله سبحانه .


   يقول العلماء بأن أولئك كانوا صفوة الناس يومذاك، وما كان اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ليكونوا في مهمة اعتراض قافلة قريش ، إلا لحكمة إلهية سيعلمها الناس بعد حين من الدهر قصير.. ذلك أن المهمة التي بدت يسيرة بادئ الأمر ، تطورت لتكون مواجهة عسكرية مع قريش، دونما أي استعداد نفسي أو بدني لازم لقتال عنيف سيكون فيه دماء وآلام ومصاعب، لا تتحملها سوى نفوس مصطفاة معينة ، فكانوا هم البدريين .


   البدريون الذين اصطفاهم الله لمهمة التفريق بين الحق والباطل وكسر شوكة الشرك والكفر في أولى المواجهات ، كافأهم الله بعد ذلك بشيء يتمناه كل مسلم ، كما جاء في الصحيح أن الفاروق عمر عاتب أحد الصحابة وهو حاطب بن أبي بلتعة، لأنه أخبر قريشاً بخبر تجهيز الرسول صلى الله عليه وسلم لغزو مكة ، فسأل أن يضرب عنقه لأنه نافق ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم :"..  إِنّهُ قد شهد بدراً، وما يدرِيك لعل اللَّهَ أَن يكون قد اطَّلع على أَهْل بدرٍ فقال اعْمَلُوا ما شِئتُم فقد غَفَرتُ لكُم"  ..  واقرأوا إن شئتم تفاصيل بدر ، ما قبلها وأثناءها وبعدها ..
   

   الله سبحانه :" اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ".. لما لهم من فضل وصفات معينة أوصلتهم إلى درجة أن يصطفيهم الله على العالمين .. وعلى المستوى البشري ، فإن أي مجتمع لابد أن مؤسساته تولي مسألة الاصطفاء أو النخبة أهمية كبيرة ، ولا شيء في ذلك إن كانت وفق معايير دقيقة واضحة بحسب معتقدات وعادات وثقافة الناس في ذلك المجتمع .


   قد نرى صفوة الناس في مجتمع ما ، هم أصحاب الانجازات التي تحققت على أيديهم ، وكانت لها أثارها الإيجابية على المجتمع ، فيما قد نرى أهل العلم، صفوة مجتمع ثان دون اعتبار نقطة الانجازات، وقد يختار مجتمع ثالث صفوة أبنائه من أصحاب الفكر والثقافة ، وربما رابع يكون نواب البرلمانات هم صفوته ، وهكذا بحسب كل مجتمع ..

  في ثقافتنا الاسلامية ظهر مصطلح أهل الحل والعقد، وهم أهل العلم والرأي والحكمة الذين كان يتم اختيارهم من الناس لتمثيلهم في أمورهم العامة، وقد ظهر ذلك بداية في انتخاب أهل العقبة الثانية نقباءهم الاثني عشر، واستمر الأمر وتطور إلى يومنا هذا .. على أن ما يهمني حقيقة من خلال هذا السرد السريع لمسألة الاصطفاء،  هو تذكير النفس ودعوتها ليكون أحدنا ضمن صفوة يختارها هو بنفسه لا يختاره الآخرون.. 
   

   ما يهمني حقيقة من خلال هذا السرد السريع حول مسألة الصفوة والاصطفاء ، هو تذكير النفس ودعوتها ليكون أحدنا ضمن صفوة يختارها هو بنفسه لا يختاره الآخرون.. وتلك هي مسألة أعتبرها غاية كل مسلم .. نعم قد يجتهد أحدنا في عمله الدنيوي رغبة في أن يكون ضمن صفوة وخيار المجتمع ، سواء بحسب انجازاته العملية أو شهاداته العلمية أو بحسب المعايير التي اتفق الناس في مجتمعه عليها، من تلك التي إن توفرت صفات معينة تتوافق مع معايير الاصطفاء،  استحق أن يكون ضمن صفوة أو نجوم المجتمع ، سواء كان الأمر رسمياً على شكل انتخابات برلمانية وما شابه ، أو كان الأمر عرفياً تتفق غالبية الناس على رموز وأسماء معينة بينهم ، واعتبارهم صفوة مجتمعاتهم ونجومها ، يفتخرون بوجودها بينهم .


   
   تلكم كانت صفوات الدنيا التي ربما يتطلع كثيرون إلى أن يكونوا ضمنها ، ولا شيء أو ضير في ذلك ، ولكن ما بالكم بصفوات من نوع آخر؟ صفوات الآخرة ، وما أدراك ما هي ؟

   ماذا لو أن أحدنا اختار أن يكون ضمن صفوة الناس يوم الدين ؟ ضمن أولئك السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ؟ أو ضمن أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب كما قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب، هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ".. وغيرها من صفوات يوم الدين مما جاء ذكرها في الأحاديث الشريفة .. وما كان هذا الحديث إلا نوعاً من التمهيد للوصول إلى التفكر في مثل تلك الصفوات التي لابد أن نتطلع إليها، فهي الأجدر بأن تكون غاية كل مسلم عن أي غايات أخرى ، ولمثل ذلك فليتنافس المتنافسون .. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق