الأربعاء، 9 أكتوبر 2013

المترددون لا يصنعون تاريخا ..

     
   صناعة التاريخ إنما هي بكل وضوح إحداث تغيير في مجال أو أمر ما.. والتغيير الإيجابي يقع في حال وجود رغبة صادقة وأكيدة في إحداث التغيير، أي أن يكون لديك أنت، يا من تريد صناعة التاريخ وتغير ما حولك، نهم وشغف بتغيير ما تود تغييره، بحيث لا يقف في وجهك واقف أو يمنعك مانع.. بل حين تصل إلى تلك الدرجة من استشعار الأمر، ستجد أنه لا يشغلك عن هدفك أي شاغل, وتعيش العملية بكاملها إلى الحد الذي ترى النتائج قبل أن تبدأ العمل الحقيقي.. وفي الآتي من الكلام، مزيد شروحات وتفاصيل:


   الشرط الثاني إذن بعد الرغبة في إحداث التغيير، ألا تتردد في العملية التغييرية، لأن التردد بكل وضوح أيضاً إنما يعني وجود همس أو صوت خافت يأتيك من أعماقك يدعوك إلى عدم خوض ما أنت بصدد الخوض فيه وهو التغيير. ويدعوك ذاك الصوت الهامس الخافت الجبان إلى التوقف والتفكر مرات ومرات، ويبدأ يقرأ عليك أوهاماً ويدعوك إلى تخيل صور سلبية بائسة، يقشعـر منها بدنك فتخاف وتركن!


   إن أنت واصلت الاستماع إلى ذاك الصوت الخافت، فإنك ها هنا مُعَرَّضٌ لأن تتخذ قراراً بالتوقف وكبح جماح حماستك الأولية. وكلما تباطأت في اتخاذ القرار واستمعت أكثر إلى ذاك الصوت، كنت معيناً لدعم روح التثبيط والقعود على الانتشار بنفسك، ووجدت نفسك بعد حين من الدهر قصير وقد ألغيت قرار التغيير، لتعيش بعدها على الفور صراعاً ربما يطول، بل تبدأ بفقد زمام التحكم في خيوط العملية التغييرية وتجد نفسك وقد رجعت إلى المربع الأول أو الخطوة الأولى.


   لو أن الصحابي الجليل، سيف الله المسلول خالد بن الوليد « تردد » في اتخاذ قرار الانسحاب من معركة مؤتة واستمع إلى صوت مواصلة القتال لأي دافع كان، لكنا اليوم نقرأ عن «مذبحة مؤتة» وإبادة جيش المسلمين.. لكنه لم يسمع إلى ذاك الصوت, بل اتخذ قراره الحاسم دون أي تردد، فكانت النتيجة أن أنقذ الكثير من المسلمين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قراره يومذاك الخطوة الأهم، ومن ثم لا مانع أن يبدأ بعد ذلك التفكير في مواصلة تحقيق الهدف بعد ترتيب الصفوف. ولو كان قراره خاطئاً كما توهم البعض القليل يومها، ما امتدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامتدح جيشه وسماهم بالكرّار بعد أن قال بعض المسلمين ممن لم يملكوا بُعد النظر، عن خالد وجيشه بالفرّار!


   إن عمليات التغيير ليست من تلك النوعية من العمليات التي تتحمل التردد والبطء. ولو كان كل البارزين على مدار التاريخ من القادة والحكام وعظام الرجال من المترددين، لما برز أحد في هذا التاريخ, ولما حدثت تغييرات دراماتيكية حاسمة تغير معها التاريخ.


    حين تكون أمام عملية تغييرية، فأنت أمام لحظات صناعة تاريخ، ولا يهم تاريخ من وماذا، فأنت بنفسك حياة كاملة، وإن ما تقوم به تجاه نفسك مثلاً عبر اتخاذ قرارات حاسمة تتغير في إثرها- فإنما تقوم بصناعة تاريخ لحياتك، سواء تأثر بهذا التغيير أحد من حولك أم لم يتأثر، لكن يكفيك فخراً أنك تصنع تاريخاً لنفسك، لأنك أنت الأساس في العملية برمتها.


    زبدة القول ها هنا، أو الأمر الذي نريد الوصول إليه والدعوة إلى تبنيه، هو أن تكون حاسماً حازماً وأنت ترغب في إحداث تغيير ما، سواء على الصعيد الشخصي أم أصعدة أوسع وأكبر.

 لا  تتردد أبداً في قرارات التغيير، لأن هناك الكثيرين حولك تنحصر مهامهم في تلك اللحظات الحاسمة في دفعك إلى التباطؤ والتوقف وعدم إكمال مسيرة التغيير، وأهم كل أولئك، هي نفسك التي بين جنبيك. ولك أن تتذكر مواقف حياتية مرت عليك وأنت بصدد اتخاذ قرارات حاسمة، ولك أن تتأمل وتراجع ما وجدت نفسك عليه من التردد والحيرة، ليس لشيء يومها، سوى أنك لم تكن حازماً، حيث تغلبت نفسك عليك وسيطرت على عقلك فانتصرت هي، وخسرت أنت لحظات صناعة تاريخ.

 هل  ستظل تخسر في كل جولة تغيير تبرز لك، أو كل فرصة لصناعة تاريخ تلوح أمامك؟ الأمر يستحق بعض التأمل واتخاذ القرار، وبكل تأكيد أنت سيد قرارك أولاً وأخيراً، فانظر ماذا ترى.