الاثنين، 30 سبتمبر 2013

الصحافة القطرية نحو الرقمية .. ضرورة أم اختيار ؟

   

  تحول الصحافة القطرية اليومية  إلى رقمية بشكل تام ، هو أمر لم يعد ترفاً من القول أو الفعل ، فإن التحول الهائل الحاصل الآن في العالم نحو الرقمية وفي مجالات حياتية كثيرة ومتنوعة ، ستجعل من أمر التحول إلى الرقمية أمراً لا مفر منه ، وكلما أسرعت المؤسسات الصحافية الدخول إلى هذا المجال الحيوي المستقبلي مبكراً ، كلما استطاعت أن تكسب أكثر وتتخذ موقعاً مناسباً لها في هذا التنافس العالمي غير المسبوق .


    مجال الصحافة اليومية أحد أبرز المجالات التي تأثرت وبشكل تدريجي بالذي هو حاصل في عالم تقنية الاتصال . وربما تكون الصحافة اليومية التي هي بمثابة الرئة التي يتنفس الناس بها كل يوم منذ أكثر من قرن من الزمان ، أكثر مجال وجد نفسه مضطراً لمواكبة هذا التطور وليس ترفاً منها، باعتبار أن بقائها بالصورة التي تتمناها مهدد ما لم تتواكب بالسرعة ذاتها التي تتطور تقنيات الاتصال بها . 


     هناك علاقة ترابط بين القارئ وصحيفته اليومية ، لكن هذا الترابط وتلك العلاقة الحميمية بين القارئ وصحيفته مهددة اليوم بفعل تطور وسائل الاتصال .. التهديد ليس من تطور تلك الوسائل الالكترونية ولكن يأتي من تأخر الصحف اليومية في مواكبة هذا الأمر ، والمواكبة التي أعنيها لا تعني فقط كما هو عند غالبية الصحف ، من انشاء مواقع الكترونية على شبكة الانترنت وتكون مواقعها نسخة من الصحيفة الورقية ، ولكن المواكبة التي أعنيها تشمل أساساً اعادة فهم ما يجري وفهم الثقافة الجديدة التي بدأت تجتاح القراء بشكل لا مجال فيه للنأي أو الابتعاد عنها. 

     صار أمر التحول الى الحياة الرقمية بالنسبة للصحف اليومية ، لزاماً وليس ترفاً أو مواكبة غير فاعلة مع الثورة المعلوماتية والاتصالية التي تجتاح العالم ، والتي حولت هذا العالم ليس الى قرية صغيرة كما كان سائداً من ذي قبل ، بل صار هذا العالم اليوم ليس أكثر من حاسوب صغير متنقل . وطالما أن الحالة تتجه الى أن يكون العالم مختزلاً في حاسوب صغير بعد حين من الدهر لن يطول كثيراً ، فالأمر لم يعد ترفاً من القول ، وليس تنظيراً نأخذ به أو لا نأخذ. الأمر يزداد اثارة وفي الوقت ذاته جدية.


     الصحف القطرية اليومية مطالبة بإيلاء مسألة التحول للرقمية كل اهتمام ، فإن الصحف اليومية ، وحتى تُبقي على جمهورها ، رغم بعض الأصوات التي تقف أمام هذا التطور وتبث آمالاً غير واقعية بأن الصحف باقية كما هي لن تتأثر بهذا العرض الطارئ الذي سيختفي بعد حين بشكل وآخر، صار لزاماً عليها الدخول في معترك الحياة الرقمية وتأخذها بجدية تامة وإلا فالقطار التقني سيفوتها ومعه جيش كبير من قرائها، الذين سيتحولون بالضرورة الى قراء الكترونيين أو إن صح وجاز التعبير ، قراء لا يجدون مبتغاهم في الصحف الورقية كما وجدوها أو يجدونها تتجدد كل حين في الصحف الرقمية. 

   الصحف الرقمية أصبحت اليوم مجالاً قائماً بذاتها تختلف بشكل كبير عما هي عليه الصحف الورقية وإن بدت الأخبار والمعلومات شبيهة ببعض ، لكن مع ذلك فالفرق كبير وشاسع ، بل ويتسع كل حين بفضل تقنيات وأفكار رقمية تُخترع بين كل حين وحين قصير ، الأمر الذي يجعل البون شاسعاً بين النوعين من الصحف ، الرقمية والورقية .. 

    هناك نقطة غاية في الأهمية وتتعلق بالعاملين في الصحف اليومية ، واهمية مواكبة التطور التقني الحاصل في مجال عملهم ، فإن تكنولوجيا وسائل الاعلام والاتصال الحديثة ستجعل الصحافة تفقد أهميتها التقليدية تدريجياً كمصدر مهم للمعلومة ، فإن الكم الهائل من المعلومات الخام ، أصبح اليوم متاحاً للجميع وفي أي وقت ، وأصبح بمقدور أي فرد ، وبدلاً من أن يكون مستقبلاً للرسالة الإعلامية فقط كما كان منذ زمن ، صار بمقدوره مناقشة الرسالة مع صاحبها أو مصدر الرسالة أو المُرسل كما في المفهوم الإعلامي .. هذا الأمر سيجعل الصحافة والصحافيين يفقدون أهميتهم تدريجياً ولكن بشكل متسارع أيضاُ ، تلك الميزة التي كانوا يعتمدون عليها في كسب أهميتهم في المجتمع ،  باعتبارهم مصادر مهمة نادرة لثروة معلوماتية لا تتوفر لأي أحد بالسهولة التي يمكن تصورها .. 

   إن الصحافة الرقمية  تتميز ومن واقع تجارب ، بقوة التأثير في جماهير القراء ، وذلك يعود الى ديناميكيتها وقدرتها على التحديث المستمر والتأثير عبر الصورة الصامتة أو المتحركة أو الصوت ، وفتح مجالات التفاعل مع القراء بشكل لحظي ، الأمر الذي يمكّنها من تشكيل رأي أو آراء معينة و قناعات محددة لدى جماهير المتابعين ، وانتشار المادة الإعلامية سريعاً عبر وسائل التواصل المتنوعة الى الآلاف المؤلفة من الجماهير وفي مواقع جغرافية عديدة ، على عكس ما لدى الصحف الورقية ، التي تفتقد الى أهم عنصر من عناصر التأثير في الجماهير والمتمثل في عنصر الوقت أو عنصر اللحظة ، فقد تثار قضية ما ويتفاعل الجماهير معها بالأخذ والرد واتخاذ الاجراءات ، والصحيفة الورقية بعد تتابع الحدث ، وربما ينتهي الحدث ويبرد ويتفرق الجمع ، والصحيفة الورقية لم تُطبع بعد ! فأي تأثير بعد ذلك تريد أن تحدثه الورقية في الجماهير ؟


     الوعي العام في العالم العربي بأهمية شبكة الإنترنت زاد وتعمق ، فقد ازداد عدد مستخدمي شبكة الإنترنت في الدول العـربية  بشكل لافت ، حيث تضاعف العدد أكثر من 23 مرة منذ العام 2000 حتى نهاية يونيو 2012  بحسب الأرقام التي نشرها الموقع الإلكتروني العالمي www.internetworldstats.com   حيث أفاد الموقع بأن عدد مستخدمي الإنترنت في الشرق الأوسط ، والتي تضم عدداً كبيراً من الدول العربية ، قفز إلى 90 مليون مشترك في نهاية يونيو 2012 مقارنة مع 3.3 مليون مشترك في العام  2000 ..
   

   صحيفة الوطن القطرية ، بدأت دخول شبكة الإنترنت مبكراً ، مقارنة ببقية الصحف منذ ظهور الشبكة أواسط التسعينات في قطر ، حيث لم تكن على الساحة سوى الوطن والراية والشرق كصحف يومية عربية ، وأنشأت الوطن موقعاً لها على الشبكة كانت بمثابة نسخة كربونية للطبعة الورقية ، وكان ذلك عام 1998 ثم تبعتها الراية والشرق وآخرهم صحيفة العرب ، مع بدء إعادة اصدارها ورقياً أيضاً وكان ذلك أواخر عام 2007م ، حيث بدأ الجميع في دخول المجال الالكتروني ولو من أبسط صوره ، والمتمثل في إنشاء موقع يعكس بعض وليس كل ما تنشره الطبعة الورقية ، ليكون متاحاً الكترونياً على الموقع..  واستمرت الصحف القطرية على وتيرة واحدة هادئة فيما يتعلق بمواقعها الإلكترونية ، واستمرت بنفس النهج الذي بدأت به ، وهو تحديث الموقع بشكل منتظم بعد توزيع الطبعة الورقية ، ولم تقم طوال فترة الظهور على الشبكة حتى اليوم بتطوير مواقعها بشكل شامل إلا مرات قليلة ، في مؤشر على عدم الاهتمام الكافي بالمواقع ، لأن جل التركيز والاهتمام كان منصباً على الطبعة الورقية ، التي وبسبب التنافس بينها ، زادت عدد صفحاتها بشكل مستمر ونحن ننهي عام 2013 ، لتصل عدد صفحات الجرائد المحلية في المتوسط ما بين 60 الى 70 صفحة يومياً ، في الوقت الذي بدأت تختفي صحف ورقية في الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا لتتحول بالكامل الى رقمية ، وتُلغى الورقية تماماً !

   هناك بعض الأسباب التي تجعل من الصحف القطرية اليومية بطيئة بعض الشيء في التحول نحو الرقمية بشكل تام ، منها الأمية الإلكترونية المتمثلة في تخوف نسبة لا بأس بها من السكان والى الآن من التعامل مع أجهزة الحاسوب المتنوعة وخوض مجال الإبحار في عالم الإنترنت . وأشار إلى عامل ثان متمثل في شركات الإتصال ومزودي الخدمة حيث التكلفة ما زالت عالية مقارنة بكثير من دول العالم ، إضافة إلى مسألة الرقابة ، حيث ما زال الرقيب يؤثر على غالبية وسائل الإعلام في قطر ، حتى لو لم يكن لهذا الرقيب وجود فعلي كما كان قبل عام 1995، السنة التي تم فيها إلغاء الرقابة الحكومية على الصحف . فلقد نشأت الصحف على ثقافة الرقيب لسنوات طوال ، ولم تستطع الى الآن التخلص من عقدة الرقيب تماماً ، رغم تطور وسائل الاتصال وشيوع ثقافة الفضاءات المفتوحة ، التي يستطيع من شاء قول ما شاء في أي وقت يشاء وعبر أي نقطة معينة على شبكة الانترنت .

وهناك عامل رابع مهم متمثل في عقلية النشر الورقي ، فما زالت الصحف القطرية تعمل وفق الذهنية أو العقلية الورقية ، بمعنى أنها فعلاً تنتج وتحدّث صفحاتها الرقمية ، ولكن بنفس العقلية التي تقوم بها مع الصحف الورقية ، إذ هناك فرق بين قارئ الصحيفة الورقية وهو يتحسس ورقها ويشم رائحتها وبين من يقرأها عبر جهاز المحمول أو الحواسب والأجهزة المحمولة الأخرى المتنوعة . فالموضوعات الصحفية المتنوعة مثلاً ، ما بين الحوارات والتحقيقات وغيرها تُنشر على المواقع الالكترونية  كما هي في النسخ الورقية ، فقارئ الصحيفة الورقية كما ذكرنا يختلف عن قارئ الصحيفة الرقمية . الأول ما لجأ الى الورقية إلا لوفرة من الوقت عنده وفسحة من المكان تساعده على التصفح ، فيما الثاني أو القارئ الإلكتروني ، إن صح التعبير، لا المساحة المكانية ولا الزمنية تساعده على ذلك ، وبالتالي لابد وأن تختلف طرق تقديم المواد الصحفية في النسختين . وهذه ملاحظة لابد من التنبه إليها من قبل الصحف القطرية جميعاً .

    عامل أخير معيق للصحف القطرية اليومية نحو التحول للرقمية بالسرعة المأمولة ، ومتمثل في ندرة " الكفاءات الإعلامية الإلكترونية " .. وحين أصف الكفاءات بالالكترونية ، فإنما أعني ذلك تماماً ، ذلك أن الكفاءات الماهرة بالتحرير الاعلامي قد تكون موجودة ، سواء على المستوى المحلي أو الخارجي ، ولكن أن تجد العكس فهو التحدي . لعل واحدة من مشكلات الصحف الورقية على المستوى العربي ، ومنها القطري ، ندرة الكفاءات الإعلامية الإلكترونية ، تلك التي تتقن العمل الصحفي وفنونه ، وتمتلك أدوات العصر الحديثة المتمثلة في مهارات التعامل مع الأجهزة الرقمية ومهارات البحث والنشر على الشبكة ، وقبل ذلك كله ، الشغف بكل ما هو جديد في عالم النشر والتحرير الالكتروني .

ولعل من أسباب تباطوء الصحف الورقية في قطر من التحول للرقمية بشكل تام ، هو هذا العائق المتمثل في ندرة الكوادر المؤهلة للعمل الصحفي ولكن للنسخة الرقمية ، وإن ما يحدث الآن هو الاستعانة بشكل كبير بكوادر فنية لا علاقة لها بالعمل الصحفي ، تقوم بالمهام الخاصة بالنشر وما قبل وبعد ذلك ، وهذا يؤثر من ناحية أن العامل التقني هو من يقود القاطرة الصحفية وهو من يحدد بشكل كبير كيفية النشر، فالعامل التقني تختلف رؤيته ونظرته للمادة الصحفية وكيفية تقديمها عن الصحفي نفسه ، وغالباً ما تسير الأمور بشكل معكوس ، أي أن الصحفي هو من يتبع التقني ، وهذا تحد كبير للصحف الراغبة في التحول للرقمية ولو بعد حين ، وهو كيفية احتواء العمالة التقنية في الصحيفة بحيث تتفهم طبيعة العمل الصحفي وتستشعر ما يشعر به الصحفي ورؤيته لمادته الصحفية ، وكيفية تقديمها للقارئ ، وهذا بالطبع يتطلب تدريباً ودورات متنوعة لدمج الفريق التقني بالفريق الصحفي ليكون الانتاج المشترك متناسقاً  مقبولاً ..