الخميس، 16 مايو 2013

ابحث عمن يحبك ..



   
  التملك الحقيقي في هذه الحياة، ليس ذاك المتمثل في التملك المادي على شكل عقارات وأسهم وسندات وسيولة نقدية وغيرها كثير من أوجه التجارة والصناعة وكسب المال، ولا أجد معنى أن يُقال لشخص ما: ماذا تملك؟ بقدر ما أجد أن الأفضل تغيير السؤال ليكون أو يُقال: من تملك؟ 

ما الاختلاف بين السؤالين، وما الفرق؟

   ليس هناك اختلاف أو فرق سوى في أن الأول يسأل عن أمور ربما الكثير يمكنه الحصول عليها بصورة وأخرى، وأقصد الماديات من الحرث والنسل والتجارة والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة وغيرها من ماديات الحياة الدنيا، وما أكثرها حولنا. 

   لكن السؤال الثاني يسأل عن من هو أغلى وأهم من كل تلك الماديات، والمتمثلة في البشر.. نعم، البشر والمتمثلون في أصدقاء وأصحاب وزملاء، الذين هم الثروة الحقيقية لك، وليست تلك الموجودة بالبنوك أو خارجها.. فأن يكون ضمن قائمة أصدقائك في الحياة إنسانٌ خيِّر صاحب خلق ودين وعلم، هو أفضل لك من أن تكون في خزائنك مئات الملايين من الدراهم والريالات أو حتى الدولارات، فإن الثروة الحقيقية كامنة فيمن تملك من بشر أو قلوب البشر، وليس ما تملك من ماديات ونقديات.. ومن هنا أجد أهمية الحرص على تجميع ثروتك الحقيقية بكل رفق وهدوء، فأنت من يكسب نهاية الأمر. هذه نقطة أولى في مسألة امتلاك قلوب الآخرين ومحبتهم لك.

   النقطة الثانية التي لا تقل أهمية عن الأولى تدور حول أناس يموتون حباً وغراماً فيك، ويفعلون الكثير الكثير لإرضائك أو كسب مودتك، ولكن دون أن تدري أو تدرك، أو مع الأسف لا تشعر بذلك لسبب وآخر، بل لا تعرف أو تشعر أساساً إن كنت ضمن قائمة المحبين عند أولئك المتيمين بك أم لا!! والخطأ ها هنا ليس منك بكل تأكيد أو يمكن أن يقع وزره عليك في عدم مبادلتهم الشعور ذاته في نفس الوقت أو تتأخر في مبادلتهم الشعور، بل أجد أنهم يتحملون أيضاً وزر ذلك التأخير، أو وزر عدم انتباهك لهم.. أتدري لماذا؟ لأنهم لم يتقنوا فن التعبير عن حبهم بالطريقة التي تثير انتباهك وتتعرف على مشاعرهم الحقيقية الكامنة في صدورهم نحوك، وهذا يقودنا إلى نقطة ثالثة وأخيرة في مسألة العلاقات بين الناس.


   هناك صعوبة ولا شك عند كثيرين منا، يجدها في كيفية التعرف على المحبين، دون أن يبوح أحدهم بذلك لسبب أو آخر، وهي أسباب علينا احترامها على كل حال.. وهذا يدعونا إلى بذل شيء من الجهد في معرفة وإتقان مهارة أو فن الكشف عن المحبين، الذين لا يريدون من وراء ذلك مصلحة ما سوى أن الخالق قد قذف في قلوبهم حباً لك، لكن دون قدرات تجعلهم يبوحون به لك، أو لعل فرصاً مناسبة لم تتح لهم بعد للبوح بما في قلوبهم تجاهك. 

  من هنا أخيراً، وخلاصة لهذا الموضوع، أريد أن أوجه انتباهك إلى أن لك محبين كُثُراً حولك ولكن دون أن تدري، بل قد تشتكي أحياناً من قلة الأصحاب والخلان والمحبين.. ومن المهم، من بعد أن عرفت هذه الحقيقة، ألا تتراخى في هذا الموضوع وتلقي الوزر كاملاً على محبيك المخفيين بحجة أنهم لا يعبرون عن حبهم بطريقة تفهمها أو بأسلوب واضح، وبدلاً عن ذلك قم أنت بواجبك أيضاً في استكشافهم واحداً بعد الآخر، فإن طريقة حديثهم معك، أو طرائق تعاملهم معك، كلها مؤشرات واضحة على حب مكنون في قلوبهم لك.. ولم يتبق سوى أن تخرجه ليتجسد واقعاً يعود عليكما بالنفع والصلاح.. وظني أن كل واحد منا لا بد أن يجتهد لتكون له أساليبه وطرقه الخاصة في استكشاف المحبين من بعد هذا الحديث.. فهل نفعل الآن قبل فوات الأوان؟