الجمعة، 26 أكتوبر 2012

زيارة أمير قطر الى غزة .. اشارات ورسائل

   رغم أنها كانت زيارة رسمية سريعة لأجل مهام هي بالمعايير الوطنية، كبيرة، إلا أن الوقت في بعض المهام ليس له تلك الأهمية بقدر ما للنتائج المرجوة بعد ذلك.. أتحدث بكل تأكيد عن زيارة، هي الأولى من نوعها لزعيم عربي لقطاع غزة، المحاصر ظلماً وعدواناً من دولة ما تزال في عرفنا هي غير مسالمة، ولا يصدر عنها ما يشير إلى رغبة في السلام.. زيارة سمو أمير دولة قطر إلى غزة مميزة أيضاً، باعتبار أنها لزعيم لا يزال في الحكم، يتخذ القرار ويتحمل تبعاته، ولا أتكلم ها هنا عن زعيم محال للتقاعد أو يعيش في ظل ما، لا حول له ولا قوة، يريد أضواء وشهرة..

  زيارة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير دولة قطر إلى قطاع غزة، ستكون تاريخية لاعتبارات عديدة، أهمها أنها تجيء في وقت، سحبت ثورات الربيع العربي الأضواء والاهتمامات عن القضية المحورية المركزية للعرب والمسلمين، قضية فلسطين. بل صارت أخبار بلاد ثورات الربيع العربي تتصدر منذ عامين تقريباً نشرات الأخبار الرئيسية العربية وكذلك كانت لفترة غير بعيدة، الأخبار العالمية أيضاً.

   بزيارة أمير قطر إلى غزة، يكون كما صرح بذلك رئيس وزراء الحكومة في القطاع السيد إسماعيل هنية، الحصار السياسي والاقتصادي المفروض على القطاع منذ عدة سنوات، قد انكسر، وربما ستكون بداية أو دعماً وتحفيزاً لزيارات عربية رسمية ستجد أن إحراجات البدء أو القيام بالخطوة الأولى قد زالت على يد أمير قطر، وبالتالي الضغوط الإقليمية أو الدولية المتوقعة أو الصدمات الأولى تكون قد ذهبت إلى قطر!
 
   في قطر، يتحمل أميرها تبعات قراره السياسي الجريء، ويتخذ الخطوة الأولى لكسر حصار ظالم غير منطقي ولا مبرر، وهو يدرك تماماً تبعات ونتائج ذلك العمل، مدركاً في الوقت ذاته أن التقاعس عن نصرة المظلوم كما يفهم كثيرون ذلك، وإن استعصى المفهوم هذا في الوقت نفسه على آخرين، فلسطينيين كانوا أو عرباً أو غيرهم، وبحجج وتبريرات غير منطقية، أمرا لن يقبله عاقل حكيم صاحب ضمير.

   مهما قيل أو سيُقال بعد حين من الدهر قصير عن هذه الزيارة، فإنها بكل تأكيد وبعيداً عن روح المجاملات والمديح، زيارة تاريخية إيجابية يستحق أمير قطر التحية والتقدير، فمهما قيل أنها لأغراض وتوجهات سياسية وإعلامية شخصية أو قطرية، فإن نفعها أكبر وأكثر من ضررها إن تأملنا الزيارة وفق حسابات الربح والخسارة على الصعيد السياسي والعلاقات بين الدول، التي كثيراً ما تُهضم حقوق الدول والشعـوب على هذا الصعيد، والفلسطينيون أكثر شعوب الأرض إدراكاً لهذا الواقع غير السوي.

      أهمية الزيارة تأتي لعدة أسباب وبسببها يستحق أمير قطر التحية والتقدير، وكذلك بحثها ومناقشتها:
   
   أولاً: أنها بصورة وأخرى كسرت حاجزاً وهمياً اصطنعته إسرائيل ومن معها لقهر وتجويع ما بقي من فلسطينيين لم يعجبهم المنطق الإسرائيلي في التعامل مع الواقع. وأرادت أن تفرض طريقتها ورؤيتها للأمور، وقد استجاب من استجاب من فلسطينيين للمنطق الإسرائيلي، وليس المجال ها هنا لحصرهم وذكرهم.
   
   ثانياً: أوضحت الزيارة الدور المهم والمؤثر لمصر في القضية الفلسطينية، وقد أشار إلى ذلك بكل تواضع ووضوح أمير قطر في خطابه بالجامعة الإسلامية، من أنه لولا مصر ما كانت هذه الزيارة. إذ حين تم تحييد وتكبيل مصر وخاصة بعد كامب ديفيد، خسر الفلسطينيون ركناً أساسياً في قضيتهم وعانوا الكثير بسبب تحييد أو تقزيم دور مصر في القضية الفلسطينية.


    ثالثاً: الزيارة مهمة لأنها قرنت القول بالفعل. ذلك أن الشعوب العربية ملت وسئمت الخطب الرنانة الجوفاء التي لا تُبنى عليها أعمال، فكانت الزيارة قولاً وفعلاً. فضخ مبلغ 400 مليون دولار على شكل مشاريع تنموية وبنى تحتية، القطاع بأمسّ الحاجة إليها، هو مبلغ ليس بالمبلغ الهين، بل فيه تنشيط وتفعيل للحركة الاقتصادية التي بكل تأكيد ستعمل على تخفيض نسب البطالة أيضاً.

   رابعاً: الزيارة ستدفع بزعماء عرب ومسلمين آخرين مؤثرين للقيام بالمثل، لاسيما غير العرب لأن هذا ما يتمناه أي عربي مسلم، فإن حدثت تلك الزيارات بالفعل فستكون بمثابة إعلان صريح، بعد تغييب متعمد وتواطؤ دولي مكشوف متآمر على هوية فلسطين العربية الإسلامية.

   خامساً: زيارة أمير قطر ستحرج بكل تأكيد كل من أعلن بعد العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة عام 2009، عن دعم مادي للقطاع لأجل التعمير وبناء ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية. كثيرون يومها أعلنوا الوقوف مع الغزاويين، ولكن كعادة المشاركين بالمؤتمرات، تذهب الأصوات والقرارات مع ذبذبات أصواتهم إلى فضاء واسع غير محسوس. والزيارة ستذكرهم بتلك الالتزامات والمسؤوليات.

    سادساً: الزيارة ستفتح شهية قادة مصر الجدد على استشعار دور بلادهم المحوري المؤثر في المحيط العربي وليس مع الجوار فقط، وفلسطين أهم الجوار. سيدرك قادة مصر الجدد أن الشعوب العربية لاسيما الفلسطينيون، ينتظرون مسح الصورة القديمة في الذهنية الفلسطينية التي وضع ملامحها النظام القديم، وكانت ذا وقع شديد أحياناً على قطاع غزة، ربما أكثر من عدوهم الإسرائيلي.. ستدفع زيارة أمير قطر بقادة مصر إلى التحرك الإيجابي نحو قضية المسلمين الأولى المركزية، ولن أشك بأن الرئيس المصري بعد زيارة أمير قطر، قد بدأ يعد العدة لزيارة تاريخية مماثلة لزعيم مصري للقطاع بعد طول انقطاع، ولاشك أن زيارته ستكون رسالة واضحة للعالم حول الدور المصري المستقبلي في هذه القضية.

   ختاماً، يمكن القول بأن الزيارة كسرت حاجز الرهبة والقلق والخوف من التبعات والتداعيات، التي ارتسمت في الأذهان الرسمية العربية طويلاً، وعملت الزيارة القصيرة كذلك على أمر مهم حيث أعادت القضية الفلسطينية إلى الوضع المناسب لها في قائمة الأولويات على الصعيد الإعلامي والسياسي، بعد تجاهل قسري فرضته ظروف وأحداث ثورات وزلازل الربيع العربي، والتي كانت من جملة إفرازاتها تلك الزيارة، وإفرازات أخرى إيجابية مأمولة وتنتظر الشعوب العربية أن تتجسد إلى واقع معاش قريب، يعيد بعض الأمل إليها بغدٍ أفضل مما هي عليه اليوم، وما ذلك على الله بعـزيز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق