يشعـر المرء منا أحياناً برغبة جارفة في العمل والتحرك بلا قيود أو موانع أو ضوابط أو حواجز، إلى آخر تلك المصطلحات التي تفيد المنع والضبط والربط!! ليس لجنون فينا بل لرغبة جامحة في تعديل أو تغيير أمور نشعر أنه لا حل إلا بالتعامل المفتوح معها، دون قيود وأغلال.. ترغب أحياناً في منع غيرك من ارتكاب مخالفات متكررة ومسيئة وظالمة في حقه قبل الآخرين، ولكن لأن هناك موانع عديدة وقيوداً كثيرة، تكتم الغيظ الذي فيك على أمل أن يأتي الوقت الملائم لتغير الموقف أو الذي تراه، سواء على يديك أم غيرك.. ولكن ليست الرغبة تنحصر في تغيير المخالفات والمسيئات فقط، فالحياة أوسع وأشمل من ذلك. ومن هنا تجد بعض المبدعين من العلماء في العديد من مجالات العلم والفن يذهبون أو يميلون إلى هذا الرأي حينما ينشغلون في أعمالهم الإبداعية، أو حينما يرغبون في الجديد غير المسبوق، فتراهم يعكفون على عمل معين دون التفكير في أي أمر، قانوناً كان أم عاطفة أم فكراً أم أي مؤثر محيط. ملحن مبدع يقول إنه حينما يرغب في إنتاج لحن جديد، فإنه يبدأ يترك كل شيء، وينعزل بحيث لا يتأثر بأي موسيقى من قريب أو بعيد، أو أي رأي فني خلافه في موضوع الألحان.. يبدأ من الصفر وكأنه لأول مرة يبدأ في التلحين. وكذا أهل الرسم والحرف التي تتطلب إبداعاً، دون الاعتماد كثيراً أو اللجوء إلى خبرات أخرى موجودة لدى الغير.. الشاهد مما سبق، أن الإبداع أحياناً يتطلب بالفعل الانعزال والتفرغ التام للعمل. إذ حين يبدأ المرء التأثر بالقوانين والضوابط والمبادئ من حوله، فمن المؤكد أن عمله سيكون نتاجاً لتلك المحددات، ولكن حين تزول كل تلك القوانين والضوابط، ويعمل المرء بعقلية مفتوحة وكأنه لا أحد يعيش على الأرض سواه، تجده يبدع خاصة حين يفكر في البدء من الصفر أو الإيحاء أنه يعمل لأول مرة.. لكن هل هذا يعني التمرد على الموجود من القوانين والمبادئ والقيم؟ بالطبع لا أدعو إلى ذلك، ولكن أدعو إلى التجرد التام للعمل الذي تقوم به، وأن تعيشه بكيانك، فكراً وعاطفة ومشاعر.. وحين تخلط عملك بمشاعرك وفكرك وتتجرد له وتعمل فيه بكل إخلاص، فمن المؤكد الذي لا غبار عليه، سيخرج خالصاً بديعاً تفتخر به.. من هنا ديننا العظيم يدعو إلى أمرين مهمين في أعمالنا الدينية: الإخلاص والصحة. فلا ينفع عمل صحيح دون إخلاص، ولا ينفع الإخلاص وحده في عمل خاطئ.. وهذا لب القصيد. |
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق