الخميس، 23 فبراير 2023

ماذا عن الهند ؟

 


قد تتساءل وتقول: ماذا تريد من هذا العنوان أعلاه؟

أو ماذا تريد أن تقول عن الهند؟

تساؤلك هذا منطقي وطبيعي، مثلما هو التساؤل الذي أرغب في طرحه ها هنا.

نعم، ماذا عن الهند؟ أو أكثر تحديداً : لماذا لا يتم تركيز الأضواء الإسلامية، السياسية منها والإعلامية عليها، كما الحال مع الكيان الصهيوني الغاصب مثلاً، وخاصة أنها دولة محورية ذات علاقة تاريخية قديمة مع العالم الإسلامي، وجوار أو قدر جغرافي، لكن توجهاتها وسياساتها تجاه المسلمين خلال السنوات القليلات الماضيات، بدأت تتقاطع وتتشابه مع توجهات ومخططات الكيان الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يستوجب تسليط الأضواء على ما يجري بالهند، فالمسألة تكبر وتتضخم يوماً بعد يوم، ما لم يتم ضبطها. 

   غالب أحاديثنا عن مسلمي الهند تدور عادة حول مشكلة كشمير، وهي واحدة فقط من مشاكل المسلمين في هذه البلاد الواسعة، التي يتجاوز عدد المسلمين فيها مئتي مليون نسمة، وتعتبر أكبر أقلية مسلمة في العالم، تعاني ما تعاني منها الأقليات المسلمة في الصين وبورما وبعض الأقطار غير المسلمة الأخرى.

  منذ وصول اليمين المتطرف وتغلغله في أجهزة الحكم والسيادة في الهند قبل سنوات ثمان ماضيات، والمسلمون فيها يتنقلون من معاناة إلى أخرى، بدءاً بهدم مساجدهم التاريخية، ومروراً بمدارسهم وبيوتهم هنا وهناك تحت دعاوى ومزاعم عدم قانونيتها، وانتهاء بمزاعم يتم الترويج لها سياسياً وإعلامياً حول خطر المسلمين على مشروع إقامة الهند الكبرى أو بلاد الهندوستان، وضرورة تهجيرهم إلى الجوار المسلم، باكستان وبنغلاديش وغيرهما، بالإضافة إلى ما يقع عليهم من تضييق مستمر في معاشهم ومصادر أرزاقهم، إلى درجة غض الطرف عن التحريض المستمر ضدهم، المباشر منه وغير المباشر، من لدن كهنة هندوس متطرفين، تحت سمع وبصر الحكومة، وبشكل يكاد لا يتردد المرء المراقب في القول بأنها حملات ممنهجة.

 

  علاقات الهند التاريخية مع العالم الإسلامي قديمة. تتطور تلك العلاقات أو تتراجع بحسب أيديولوجية وسياسات الحزب الذي يحكم البلاد. فمنذ أن جاء إلى الحكم، حزب " بهاراتيا جناتا " بعد وعـود بالمساواة بين جميع الطوائف والأعراف، والمسلمون في معاناة وضيق وقلق وتوتر مستمر، حتى صار عند المراقب للشأن الهندي، يقين شبه تام بأن المتطرفين أو المتشددين الهندوس، هم المسيطرون على منهج الحزب الحاكم الحالي وسياساته، والتي بدأت مؤخراً تتجسد على أرض الواقع على هيئة تضييق متدرج متصاعد على الأقليات - المسلمة تحديداً - بالإضافة إلى الأقلية المسيحية أو غيرهما، والعمل بوضوح شبه تام نهاراً جهاراً لإقامة هندوستان، أو بلاد الهندوس، اعتماداً على مبدأ الأغلبية العددية، خلافاً للدستور الهندي المعتمد والمعدل في 1976 الذي يؤكد على علمانية الهند، والمتمثلة في الفصل التام بين الدين والدولة. حيث لا يوجد دين رسمي للدولة، ولا يمكن للمدارس المملوكة بالكامل للدولة مثلاً أن تفرض تعليماً دينياً محدداً، ولا يمكن استخدام أموال دافعي الضرائب لدعم أي دين. هكذا الوضع دستورياً. لكن ما جرى خلال السنوات القليلات الماضيات ولا يزال يجري، يفيد أن الأمر خلاف ذلك.   

   من يتابع أخبار المسلمين بالهند وما يتعرضون له من حملات تشويه وتضييق وترهيب، لا يكاد يخالجه أدنى شك في أنها ممنهجة ومدعومة بشكل وآخر، بل وتؤكد على نوايا الجناح المتطرف في الحزب الحاكم لفرض أجنداته ومشاريعه على أرض الواقع، تساعده قدرات مادية وإعلامية وسياسية بالغة التأثير على سياسات هذه الدولة المحورية في شبه القارة الهندية. هذا من ناحية الداخل الهندي، أو الدعم الداخلي.

 

  أما من ناحية الدعم الخارجي، فإن من يتأمل الحاصل الآن ضد المسلمين بالهند، ويقارنها بالحاصل مثلاً ضد الفلسطينيين في دولة الاحتلال الصهيوني في فلسطين، يكاد يصل إلى نتيجة مؤكدة أن السياسات والمخططات في الدولتين تكاد تخرج من مشكاة واحدة، أو أن مصدر التفكير والتخطيط فيهما واحد، خاصة إذا علمنا متانة وعمق العلاقات بين الهند والكيان الصهيوني، والتي بكل تأكيد تتأثر بفكر ومنهج الحكومات المتعاقبة على الدولتين.  

  الهند بحكم علمانيتها أو دستورها، لابد أن تدرك بأن علاقاتها التاريخية مع المسلمين تبقى متينة بمتن وقوة حفاظها على حياة ومصالح مواطنيها المسلمين، لا أن تسمح لأصحاب أجندات متطرفة بالتأثير على تلكم العلاقة. وما يجري الآن ضد المسلمين هناك، لا يفيد أبداً حرص حكومة الهند الحالية على علاقاتها بالمسلمين، حرصها على علاقاتها مع الكيان الصهيوني الغاصب على سبيل المثال.


   ما يدعو للقلق أن محاولات التضييق والترهيب وبث الخوف والقلق بين المسلمين بالهند، لا تلقى ذلك الحزم من الحكومة وكأنما تباركها، أو هكذا يبدو المشهد للمراقبين. بل ما يزيد القلق أكثر، هو ذلك الدعم من منظمات أخطبوطية متطرفة، تتلاقى أجنداتها مع الجناح المتطرف في الحزب الحاكم، أبرزها منظمة المتطوعين الوطنيين المعروفة باسم RSS التي كان لها دور حاسم مؤثر في وصول رئيس الوزراء الحالي مودي إلى السلطة عام 2014. 


  تؤكد أدبيات وأجندات هذه المنظمة واستراتيجياتها البعيدة على تحويل المجتمع الهندي إلى أمة هندوسية خالصة، على حساب المسلمين والمسيحيين وبقية الأقليات الذين تستهدفهم المنظمة، صاحبة التأثير القوي على مسؤولين ورموز الحكم، والتي لا يُعرف مصادر تمويلها أو ما إذا كانت واجهة لنشاطات أخرى خفية، وإن كانت ظاهرياً تبدو أنها معتمدة على دعم خيري من الشتات الهندي في الولايات المتحدة وأوروبا، بالإضافة إلى دول الخليج العربي، حيث للمنظمة شعبية كبيرة في هذه الدول، ومن غير المستبعد أن مئات الألوف من الهندوس العاملين بالولايات المتحدة ودول الخليج تحديداً، ربما هم أعضاء في المنظمة، وتساهم اشتراكاتهم وهباتهم في ترسيخ أقدامها وتعزيز نفوذها بالداخل الهندي ومصانع القرار، وربما إشارة إلى قُرب تجسيد أجنداتها على أرض الواقع.


   أن يتأثر نحو مئتي مليون مسلم بسياسات حكومة متأثرة بفكر هندوسي متطرف، ليس بالأمر اليسير الذي يجعل منظمة إسلامية كبيرة كمنظمة التعاون الإسلامي لا تحرك ساكناً، وكأن حملات التضييق والترهيب المستمرة ضد المسلمين هناك لا تعنيها من قريب أو بعيد، أو تبدو كأنما لا ترغب التدخل بأي صورة كانت، حفاظاً على علاقات ومصالح بعض الدول الأعضاء مع الهند، وهذا خلاف لسياساتها، بل وأسباب قيامها. 
   

   

منظمة التعاون الإسلامي، في ختام هذا الحديث، عليها أن تلعب دوراً بارزاً حاسماً، وخصوصاً من لدن بعض الدول المؤثرة فيها، لاسيما تركيا ودول الخليج، للعمل على دفع الأذى عن مسلمي الهند، وذلك عبر دفع الحكومة الهندية أولاً لضبط إيقاعات السياسة الداخلية المتجهة بقسوة وقوة تجاه الإضرار بمصالح وحياة المسلمين فيها، وعدم الخضوع لأجندات منظمات أخطبوطية مشبوهة مثل RSS والعمل ثانياً على ضبط تدفق العمالة الهندية نحو دول الخليج تحديداً، لاسيما الهندوسية منها، خشية أن تكون تلك العمالة مصادر تمويل رئيسية لتلك المنظمة، أو ربما خلايا نائمة يخشى من عواقب التساهل مع تحركاتها، المباشرة وغير المباشرة.

    الأمة محاطة بما يكفي من أعداء خطرين، وإن جاءوا بثياب الناصحين أو الباحثين عن تجارة واستثمار، وهم في الأساس ذئاب أو أشرس منها.. وفي تراثنا أن المؤمن كيّسٌ فطن، وليس بالخِب ولا الخبُ في الوقت ذاته، يخدعه ويتلاعب به وبمصالحه..

 ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.  

  

هناك تعليق واحد: