بعيداً عن اللغة الأكاديمية، ومحاولة لجمع أفكار
وخواطر مبعثرة حول التعليم، رأيت أن أضع ما استطعت من تلك الأفكار والرؤى والخواطر
في مساحة محدودة كهذه الصفحة، بلغة سهلة لكل الأعمار والأفهام.. وما العنوان الذي
اخترته إلا لبيان عظم وأهمية منصب الوزير، الذي لابد أن يأتي ومعه رؤية وبرنامج
عمل واضحين، وله واسع الصلاحيات في تنفيذ برنامجه في فترة زمنية متفق عليها، تكون
فيها محطات للتقويم والتقييم المرحلي، انتهاء بالمحاسبة النهائية وتقييم عمله بعد
انتهاء الفترة المحددة. هذا الأمر لا أقصد به وزيراً معيناً، لكنه ينطبق بشكل عام
على كل وزير.
عودة إلى موضوع
التعليم. فقد قالوا عنه منذ قديم الزمن، بأنه هو ما يتبقى للشخص بعدما ينسى ما تعلمه في المدرسة.. أي أن
التعليم نوعٌ وليس كما. فالعقول ليست خزانات لحشو المعلومات فيها ومن ثم استظهارها
وقت الامتحانات وتقييم الطالب وفق ذلك. وهي خلاصة ما يحدث في التعليم من
الابتدائية حتى آخر سنة دراسية بالجامعة ! أليس هذا هو الواقع؟
أليس نظامنا التعليمي يخرج موظفين وليس متعلمين؟
أليس نظامنا التعليمي يخرج موظفين وليس متعلمين؟
هذا هو
ما يدفعنا دوماً إلى مناقشة أهمية تطوير وإصلاح التعليم، وهو ما يدعوني أيضاً
للدخول مباشرة فيما أريد أن أطرحه كبرنامج عام مبدئي، قابل للنقاش المجتمعي حول
التعليم وكيف يجب أن يكون في مجتمع عربي مسلم مثل المجتمع القطري. ولن أدخل في
التنظير الأكاديمي، لكن هي محاور عشرة أطرحها سهلة ميسرة، والتي أرى أن التعليم عندنا، لابد أن تدور مفرداته ومؤسساته وهياكله حولها بصورة وأخرى.
المحور
الأول : القرآن الكريم
نحن أمة قرآنية وهذه
حقيقة لابد من الإيمان الجازم بها. كلما ارتبطنا بالقرآن وخاصة في التعليم، كلما
تعزز عندنا شعور الانتماء إلى دين وأمة، وطردنا مشاعر الغربة والضياع أو اللاهوية
واللا انتماء.
شعور الانتماء يبدأ تعزيزه منذ بداية دخول الطفل أجواء التعليم والتعلم. سيكون
القرآن هو الأساس، حفظاً وتجويداً وفهماً. يحفظ طالب الأول الابتدائي جزءاً من
القرآن خلال عامه الدراسي، وهكذا إلى أن ينتهي من الثالث الثانوي، يكون حينها قد
تمكن من ثلاثة أرباع القرآن، حفظاً وتلاوة وفهما.
المحور الثاني :
السنًة النبوية الشريفة
إن تحدثنا عن القرآن
فلابد أن يتبعه مباشرة، الحديث الشريف أو السنّة النبوية، باعتبارها الدليل
التفسيري للقرآن. يكون طريقة تناوله كما القرآن منذ الأول الابتدائي، حفظاً لعدد
محدد ومنتقاة من الأحاديث الصحيحة وبحسب وعي وإدراك سن الطالب، بحيث لا ينتهي من
الثانوية إلا وفي جعبته ما بين مئتين إلى ثلاثمئة حديث صحيح، يكون قد حفظها
وفهم مقاصدها ومعانيها، بحيث تكون تلك الأحاديث دليلاً ارشادياً له، يعيش على
ضوئها بقية حياته العلمية والعملية.
المحور الثالث :
الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام
لأننا أمة ربانا
القرآن على أهمية القدوات الحسنة، وإن خير القدوات هو النبي محمد – صلى الله عليه وسلم،
فالواجب إذن أن يكون لهذا النبي الكريم مساحة هائلة في حياتنا ومنذ نعومة أظفارنا.
لابد أن يكون للرسول الكريم حضوره الشريف في منهج التعليم منذ الأول الابتدائي حتى
نهاية الثانوي. كل عام يتم تناول سيرته بصورة تناسب وعي وإدراك وفهم الطالب، بحسب
سنه والمرحلة التي يدرس بها. بحيث ينتهي من التعليم العام وليس أحب إلى نفسه أحد
أكثر من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وليس أحد أجدر بالاتباع غيره صلى الله
عليه وسلم، وعن يقين راسخ وقناعة تامة لا تتزعزع، مع فهم تام لشخصيته الكريمة عليه
أفضل الصلاة والسلام.
المحور الرابع :
اللغة العربية
هذه حقيقة أخرى لابد
من ترسيخها في النفوس. اللغة العربية هي لغة العلم التي يجب أن نتعلم بها. بهذه
اللغة يشعر الطالب حلاوة ولذة التعلم، حتى وإن كانت المصطلحات
لاتينية أجنبية، فهكذا الحاصل في اليابان والصين وألمانيا وتركيا وغيرهم كثير. ومن
هنا أجد الاهتمام باللغة، قراءة وكتابة وتحدثا، واجباً حضارياً يستدعي تقديم اللغة
بصورة محببة تزيل الصورة الذهنية السيئة عنها، وأنها صعبة لا تتوافق مع العصر.
لغتنا حية راقية تستحق مساحات زمنية واسعة من اليوم المدرسي. نريد طالباً قارئاً
متحدثاً وكاتبا. هذا أمر غير معجز لكنه يحتاج لقناعات من القائمين على أمر التعليم
قبل المتعلمين.
المحور الخامس
: البحث عن المعلومة
ولأننا نعيش عصر
المعلومات والتقنيات، صار لزاماً تغيير كيفية التعامل مع المعلومة. لا نريد حشواً
وتلقيناً لمعلومات صار الوصول إليها أسهل من تدريسها وشرحها وحفظها. مواد التاريخ
والجغرافيا مثلاً لم تعد هناك حاجة لإجبار الطلاب على حفظها وتذكرها لأجل
الاختبارات ومن ثم تتبخر مع الأيام. يكفينا اليوم تعليم الطالب كيفية البحث عن
المعلومة وتوفير الأدوات اللازمة لذلك، فإذا تمكن منها يكون قد قطع شوطاً بعيداً
في فهم واستيعاب المادة، دون إجباره على حفظ معلومات وأرقام وأحداث، ما ظهرت التقنية
إلا للقيام بدور الأرشفة والحفظ والاستدعاء عند الطلب، بالإضافة إلى أدوار أخرى
لها.. والشرح يطول في هذا الأمر، لكن خلاصته في ضرورة استثمار التقنية بالتعليم
وفي أفضل صورة ممكنة.
المحور السادس
: اكتشاف ورعاية المواهب والمهارات
يمكن اكتشاف
المواهب والمهارات مبكراً، لكن من الخطأ تركها لتذبل وتضعف. أليس هذا هو الحاصل
الآن؟ المهارات العلمية والأدبية والرياضية والفنية موجودة بين الطلاب
وتحتاج إلى من يكتشفها.. وكلما تم التدريب على كيفية اكتشافها ومن ثم رعايتها
والتخطيط لها، كلما أمكن انتاج الكثير من الخامات التي تكون قد صُقلت وأخذت حظها
من الرعاية والاهتمام طوال سنوات الدراسة، بحيث لا يتبقى لها سوى القليل من
التهذيب والتقويم والتعميق في المرحلة الجامعية، قبل الدفع بها في سوق العمل أو
الحياة بشكل عام. حيث نكون قد دفعنا حينها الى المجتمع، المهندس والمعلم والطبيب
والمحاسب والقانوني والرسام والرياضي والباحث والسياسي وغيرهم كثير كثير ممن سيفخر
المجتمع بهم.
المحور السابع :
المواطنة
المواطنة هي مجموعة قيم وحقوق وواجبات لابد أن تترسخ في
الأعماق منذ بدايات سن الإدراك والفهم. لابد أن يكون هناك منهج واضح ومتدرج يتعلم
الطالب طوال سنوات التعليم العام تلك القيم، يعرف ما له وما عليه. يفهم القوانين
المختلفة المعمول بها في الدولة، ويتعلم كيفية أداء واجباته تجاه دولته ومجتمعه
وكيفية اكتساب حقوقه بالوسائل والطرق المشروعة، بالإضافة إلى تعلم مهارات ومبادئ
العلاقات الإنسانية وغيرها من موضوعات تندرج تحت العنوان العريض وهو المواطنة.
المحور الثامن :
النوع وليس الكم
كلما كان التعليم
كمياً كلما زادت نسب الهدر عبر النسيان وغيره. وكلما كان نوعياً كلما ثبتت
المعلومات والمهارات وترسخت في الأذهان والقلوب. هذا الأمر ينطبق تماماً على كافة
العلوم الأدبية والإنسانية والعلمية وغيرها.. التعليم كلما اهتم بالكم على
حساب النوع، كلما ضعف وصار يقترب من المظهريات ويتحول إلى وسيلة لكسب وريقات
يستطيع بهن الطالب الحصول على عمل، وهذا أدى بالضرورة لأن يتحول التعليم إلى تجارة
بل تجارة رابحة!
المحور التاسع : لا
للامتحانات
وهل يتعلم الطالب
عاماً دراسياً كاملاً من أجل ورقة تعطى له نهاية العام تفيد نجاحه أو رسوبه؟ نعم،
هذا هو الحاصل. لكن هل هو الصواب؟ بالتأكيد ليس بالضرورة. إننا منذ ترسيخنا لمفهوم
التعليم من أجل الشهادة، صار الطالب يدرس ويتعلم للامتحان والنجاح فيه بطريقة
وأخرى. ولا يبدأ عامه الدراسي التالي بعد إجازة صيفية طويلة، إلا وقد تبخر معظم ما
تعلمه ! فهل هذا هو التعليم؟ ألم نقل بأن التعليم هو ما يتبقى للشخص بعدما ينسى ما
تعلمه في المدرسة؟ إن ما يتبقى للطالب هو ما كان يتعلمه باستمتاع لا ما كان عليه
التعلم لأجل الامتحان نهاية الأمر.
حاول أن تتأمل هذا
الأمر.
المحور العاشر :
الوقت هو الحياة
وهل يختلف أحد
على أن الوقت هو الحياة. هذا الوقت لابد من مراعاته ونحن نتحدث عن التعليم. الوقت
الآن طال عن الحد المعقول، لماذا؟ لأن التعليم خرج من النوع إلى الكم. وهي نتيجة
طبيعية حين يدخل التعليم مجال الكم بعيداً عن الكيف والنوع والجودة. ساعات اليوم
الدراسي طويلة تستدعي إعادة النظر فيها، تراعى فيها طبيعية المواد ما بين
الإنسانية والعلمية وغيرها.
الإنسان
منا تكون قدرات الاستيعاب عنده محدودة، وعلمياً ثبت أن هناك ساعات معينة من اليوم
تكون قدرات الاستيعاب والإنتاج عالية وتنخفض تدريجياً، وأحسب ُ أن الطلاب
والعاملين بالسلك التعليمي يدركون ماذا تعني الحصص الثلاث الأخيرة. بالإضافة الى
أن مدة الحصة الواحدة لابد من إعادة النظر فيها أيضاً، وفوق كل هذا وذاك، روتين
اليوم الدراسي طوال العام لا يتغير.. وهو ما يستدعي ضرورة التنويع والتغيير بحيث
يكون لكل يوم أسلوبه وشخصيته، وبحيث يتم مراعاة أن يوم الطالب ليس مدرسة وواجبات
مدرسية فحسب، بل هناك حياة اجتماعية يحتاجها كما العائلة كلها تحتاجها..
الحديث
في المحور العاشر يحتاج لتفصيلات كثيرة، شأنه شأن بقية المحاور التسعة التي
ذكرناها بشكل عام دون الدخول في تفصيلات فنية وتربوية لا تتحملها مساحات محدودة
كهذه الصفحة.. وتلكم كانت عشرة كاملة من المحاور، أردنا تقديمها لتكون أشبه بخارطة
طريق، أو خطة عمل تهدف لإنتاج جيل كامل يخرج أفراده حفاظاً لكتاب الله وسنة رسوله،
متقنين لغتهم قراءة وكتابة وتحدثا، معتزين بقدوتهم في الدنيا وقائدهم في الآخرة،
مدركين حقوقهم وواجباتهم في مجتمعهم، وعلى يقين أن العلم والتعلم لا نهاية لهما
وأن التعلم ليس لأجل الوظيفة، بل هو فريضة دينية قبل أن تكون فريضة دنيوية..
والله
بكل جميل كفيل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ما أجمل هذا المقال .... بارك الله فيك أخي الكريم
ردحذف