الاثنين، 11 سبتمبر 2017

لا تعاكس مشاعرك فتخسر

 يمر أحدنا بتجارب ومواقف حياتية متنوعة، يفشل في بعضها ويحزن، أو ينجح في أخرى ويفرح. يخسر في موقف ويربح في آخر، وهكذا يتنقل المرء منا بين تلك الحالات الحياتية المتنوعة المتغيرة في توافق مع طبيعية الحياة الدنيا المتقلبة. حزن وفـرح، صبر وغضب، جوع وشبع، صحة ومرض، وغيرها كثير ضمن قائمة طويلة لا تنتهي.
  
  بشيء من التفكر في هذا التغير المستمر لأحوالنا ومشاعرنا، سنجد أن الطريقة المثلى للتعامل معها هو التعايش مع كل حالة وبتلقائية، دون تكلّف أو تفاعل غير عاقل معها، أي لا إفراط ولا تفريط، أو بمعنى آخر، لا نحاول الوقوف طويلاً أمام كل حالة وما ينتج عنها من مشاعر ونكبتها، أو نفتح لها المجال إلى ما شاء الله أن يكون. لا هذا ولا ذاك إنما المطلوب هو القصد والتوسط في التعامل مع كل موقف، وفق تقدير حكيم عاقل.

   سيكون من الخطأ لو قام أحدنا بمخالفة شعور الحزن أو الفرح على سبيل المثال تجاه أي موقف حياتي، وقام يمارس فعل الضد معها. كأن يقاوم الحزن ويكبته بنفسه، أو لا يفرح لموقف سار.. إنه ها هنا يرتكب خطأ فادحاً واضحاً، لأنه يكون قد قام بعمل معاكس لعمليات حيوية طبيعية تنشأ داخل الجسم في العقل والوجدان، وأي معاكسة لتلك العمليات من شأنها إحداث تأثيرات سلبية غير محبذة، فيكون الخاسر هو هذا الجسم الذي يحوي كل تلك الأجهزة وكل تلك المشاعر والأحاسيس.. إن أجسامنا بما حوت من أجهزة دقيقة، تحتاج إلى كل عناية واحترام، وإن التعامل الإيجابي المحترم لها، تأثيره عميق وذات مردود إيجابي أيضاً، انطلاقاً من مفهومنا للوصية النبوية الكريمة:".. وإن لبدنك عليك حقا ".     
         

لاحظ معي حين تقول أحياناً (ضاق صدري) لأي سبب ما، فإن هذه الجملة ما تقولها إلا بعد جولة صراع مع مشاعر مختلطة تنتاب النفس، تكون السلبية منها هي الأقوى والأكثر سيطرة، فتخرج تلك الكلمات صادقة معبرة عما يجيش بالصدر، فيقول المرء: ضاق صدري.  
ضاق صدري مما سمعت من أخبار مؤلمة، وضاق صدري من كلمات جارحة سمعتها للتو من صديق، وضاق صدري لمشاهد حزينة لفقراء ومساكين، وضاق صدري لأني نمت عن صلاة مكتوبة، وضاق صدري لعدم بري بوالدي اليوم، وضاق صدري من تصرفات ولدي أو ضاق صدري من كلمات مسؤولي، وقائمة طويلة لا تنتهي من تلك التي تبعث على ضيق الصدر وكدره.
 
   يقول الأطباء بأن الكلمات التي قد تبعث على الانفعالات النفسية السلبية، تؤثر بشكل كبير على شرايين القلب، وإن كان الشخص صحيحاً قوي القلب. ومن هنا ربما جاءت مقولة ضاق صدري عند العامة، بسبب ما يحدث لشرايين القلب من تغييرات يشعر بها الإنسان على شكل ضيق وبعض الألم في الصدر، فتراه من بعد ذلك على الفور يبحث عن مكان مفتوح ليتنفس فيه بعمق، ربما كنوع من عمل لا إرادي بحثاً عن أكسجين نقي يملأ به صدره، ويريح قلبه وشرايينه.

    إن المحافظة على جسم صحيح لا يكون فقط بالغذاء الصحي، بل أيضاً بالغذاء الفكري أو النفسي السليم. إن السماح بدخول الغث والرديء من الأخبار والأحاديث والكلمات السيئة المحبطة والمحزنة إلى الذهن، أشبه بدخول الطعام والشراب غير الصحي إلى الجوف، والمؤدي بعد حين من الدهر لا يطول، إلى أمراض ومشكلات لا حصر لها.


   لنهتم إذن - ونحن نتحدث عن قوة المشاعر- بما يخرج من أفواهنا من كلمات تجاه النفس والغير. ولنهتم بتنقية أسماعنا وأبصارنا وأذواقنا من كل ما يربك الشعور العام لدى النفس، ويصنع مشاعر سلبية كئيبة محبطة. لنتفاءل بالخير كي ينعكس هذا التفاؤل على سلوكياتنا مع أنفسنا وغيرنا، لأجل أن تطمئن نفوسنا ومن حولنا. وليس هناك أفضل ما يستعين المرء به على ذلك سوى ذكر الله.. ألا بذكر الله تطمئن القلوب. 
 
   إن معاكسة النفس والضغط عليها أو مدافعة المشاعر، كلها تؤدي الى مرض العصر، الاكتئاب. وما من أحد إلا وقد هاجمه بصورة وأخرى وبدرجات متفاوتة، بحسب الظروف والمزاج والنفسية وقوة الإيمان واليقين.. فمنا من يقاومه كيلا يتطور ويقوى شأنه وأثره على النفس، ومنا من يستسلم له، فيذهب ضحية أوهام وأفكار ووساوس تنتهي به الأمور إلى أن يرى الدنيا سوداء قاتمة، وربما وجدته غير راغب في أداء أي عمل سوى البقاء وحيداً منعزلاً عن الناس والحياة بشكل عام..  وقد يتساءل أحدكم والحال هكذا عن الحل أو العلاج إن فاجأه الاكتئاب يوماً..  وأجد أن الحل يكمن في أمور بسيطة جداً قد نغفل كثيراً عنها لسبب أو جملة أسباب.

   أول وأفضل وأنجع العلاجات والحلول لمرض الاكتئاب هو الاكثار من ذكر الله، لأن به تطمئن القلوب. وقراءة القرآن حتى تزول غمامة الاكتئاب عن النفس، ولا يوجد أدنى شك في تأثير القرآن، مع أهمية مقاومة الأفكار المثبطة للمعنويات، وذلك عبر القيام بعكس ما توحي به النفس أثناء تأجج مشاعر الإحباط والكآبة، ومن ثم ضرورة الاختلاط بالناس الإيجابيين المتفائلين، وتجنب الانعزال السلبي أو مخالطة السلبيين والمتشائمين بأي طريقة، لاسيما وقت مهاجمة الاكتئاب للمرء منا.. 

    وفي الحديث:" دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له..
  


هناك تعليق واحد: