الخميس، 20 يوليو 2017

الرئيس الأحمق


      ما الحكمة من دراسة التاريخ أو لماذا ندرس ونتأمل التاريخ؟
الإجابة بكل اختصار: لكي نستفيد من أخطاء الماضي، وإلا فلا داعي منها إن كانت الأخطاء ستتكرر ويستمر المخطئ على خطئه.. هذه نقطة أولى في موضوع اليوم، أما الثانية المهمة، فتدور حول القدرة على التنبه للخطأ، بل الأفضل ليس في اكتشافه والتنبّه إليه فحسب، بل العمل الفوري على معالجته. 
   
  الشيخ محمد الغزالي رحمه الله له مقولة جميلة موجزة في سياق هذا الموضوع. يقول:" ما يثير الحسرة، هو رفض دراسة الأخطاء التي تورط فيها بعضنا، ولحقت بنا من جرائها خسائر فادحة.. الأخطاء لا تخدش التقوى، والقيادات العظيمة ليست معصومة ولا يهز مكانتها أن تجيء النتائج عكس تقديراتها.. إنما الذي يطيح بالمكانة، هو تجاهل الخطأ ونقله من الأمس إلى اليوم وإلى الغد..." انتهى.
 
    إن رجعنا الى تاريخنا بعض الشيء وبحثنا عن نوعية القيادات التي تحدث الشيخ الغزالي عنها، وتسببت في إشكاليات أو كوارث، فسنجد مثلاً بأن القبائل التي أظهرت وجاهرت بالعداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الفترة ما بين غزوة بدر حتى جلاء اليهود من الجزيرة في معركة خيبر، كانت لأسباب سياسية أو اقتصادية، وبرزت في تلك الفترة شخصيات كثيرة جاهرت وكشفت عداوتها للإسلام والمسلمين وجلبت لشعوبها الكثير من المتاعب، ومن تلك الأسماء زعيم قبيلة غطفان، وكانت قبيلة عربية كبيرة ذات شأن، إلا أن مشكلتها كانت كامنة في زعيمها الأحمق، وكان يدعى عُيينة بن حصن. كان نموذجاً للحماقة والسفاهة حتى أطلق عليه النبي صلى الله عليه وسلم لقب الأحمق المطاع!

   مما جاء في سيرته وكان لافتاً للنظر، قراراته المتسرعة التي كانت تأتي بنتائج سلبية وغير حميدة، لا على نفسه ولا على قومه. فقد كان إلى جانب حمقه، مستبداً في الرأي، لا يسمع ولا يشاور، بل يطيع هواه فقط، وبالتالي كانت قراراته حمقاء ضارة مضرة وبالضرورة. من أبرز قراراته الحمقاء حين وقف مع يهود خيبر يناصرهم ويعادي المسلمين، في وقت كانت تتعاظم قوة وشأن الدولة الإسلامية الوليدة، وحيث الحكمة آنذاك كانت تقتضي احترام تعاظم تلك القوة الجديدة. لكن كيف لأحمق أن يدرك مثل تلك المتغيرات؟ وكان النبي الكريم قد فاوضه على أن يكون محايداً في هذه المعـركة وله نصف اقتصاد خيبر، لكنه رفض رغم كل الإغراءات.

  بدأت المعركة ورأى عُيينة الأحمق كيفية انهيار خيبر، ولكن مع ذلك لم يتراجع عن قراره. والغريب أنه لم يقم أحد من جيشه، وكانوا يومئذ أكثر من أربعة آلاف مقاتل، بتقديم رأي آخر يعارض توجهات الأحمق المطاع، وكانوا يتبعونه إلى أن انتهى أمر اليهود. فجاء عيينة بعد ذلك بقليل ودون استحياء، إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وطلب أن يعطيه بعض غنائم الحرب حتى يكف عن معاداته! نعم، بتلك الجرأة في الطلب، أثبت الأحمق المطاع أنه فعلاً رمز للحمق. وكان من المنطقي ألا يحصل على شيء، فقد فات وقت التفاوض، حيث طرده النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من مجلسه، ليعيش بعد ذلك ومن معه في عالم الحمقى والمغفلين، حيناً من الدهر..
    
   حين يقرأ أحدنا مثل تلك القصص، فإنه على الفور سيتبادر إلى ذهنه نماذج عجيبة شبيهة بالأحمق المطاع، يكونون على شكل رؤساء أو وزراء أو حتى مديرين ومستشارين.. قرارات حمقاء، وتعليمات جوفاء، والناس من حولهم في شقاء وعناء.. ولقد ظهرت في أزمة الخليج الحالية، أعداد من أولئك المسؤولين الحمقى، الذين ستشقى بهم شعوبهم بعد قليل من الوقت، حين تنجلي الغمة عن المنطقة ويتبين الحق من الباطل، ويتفكك معسكر الحصار الذي يقوم عليه رباعي متأزم منذ الخطوات الأولى لمؤامرة دنيئة لا يمكن نسيانها وتجاهلها..

  إن مشاكلنا في كثير من مؤسساتنا الإدارية العربية، سواء كانت مؤسسات حكم أو وزارات أو حتى شركات تجارية وغيرها، تتلخص في أننا كقيادات أولاً ومن ثم من هم أقل درجة وظيفية، لا نعترف بالخطأ، حتى لو ثبت الأمر وتبين من هو المخطئ.. إذ يظل المرء المخطئ منا، يدافع عن نفسه ويحاول التنصل أو التبرير إلى آخر نَفسٍ أو طاقة فيه، ويظل على تلك الشاكلة يجادل ويماطل، ويظل متنقلاً في مواقع الدفاع من موقع التبرير الى الجدال، ومن ثم الى المِراء حتى ينتهي به الأمر الى العناد، فإن وصل إلى نقطة العناد، فعليه وعلى من معه السلام، دون أن ندخل في كثير شروحات وتفاصيل. ولكم في أزمات ومشكلات الأمة، الكثير من الدروس والأمثلة.


   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق