الخميس، 31 ديسمبر 2015

تعالوا نستثمر..


www.spectator.co.uk
  تبرز فوراً صورة ذهنية معينة منطبعة في الأذهان عن الاستثمار، ما إن تسمع أو تقرأ هذه الكلمة.. وعادة تكون على شكل أسهم وعقارات أو غيرها من أنواع التجارة المعروفة وغير المعروفة .. فهذه صورة الاستثمار في غالبية الأذهان البشرية .

   ما إن تبدأ التفكير في استثمار بعض دراهم قد تكون احتفظت بها أعواماً مديدة ، حتى تدخل دوامة من الصراع النفسي مع الذات ، وتبدأ في التفكير بما أنت مُقدم عليه ، وكيف هي درجات الأمان في العملية الاستثمارية القادمة ، وهل ستجد أناساً على درجة من الصدق والأمانة تطمئن النفس إليهم قبل الشروع في الدفع وغيرها من تساؤلات هي في الحقيقة مجموعة من دوّامات التفكير تخوضها قبل أن تدخل أخريات على أرض الواقع ..

   أما على أرض الواقع، فإنك ستبدأ رحلة صداع ليست يسيرة ، متمثلة في اجراءات البيع والشراء وعمليات التسجيل والتوثيق والاجراءات القانونية والمالية ، وما يصاحب ذلك من قلق وتوتر وانشغال بال ، وتفكير مستمر في القادم من الأيام وما تحملها من أحداث وأقدار بخصوص ما تقوم به،  وهكذا حتى تنتهي العملية وتتنفس الصعداء.. هذا إن وجدت وقتاً لذاك النوع من التنفس !

   ما سبق هو نموذج لواحدة من عمليات الاستثمار في هذه الحياة الدنيا، التي وإن عشناها طولاً وعرضاً إلى آخر طاقة نملكها، فلن نعيش أكثر من قرن من الزمن، بل هب أننا عشنا عشرة من القرون، فماذا عسانا أن نفعل سوى تكرار وإعادة للعمليات ذاتها .. تهافتٌ على الموجود، ولهاثٌ لا ينقطع نحو المفقود ، مع ما يصاحب ذلك من قلق وتوتر وتفكير وهم وغم وتعب ونصب .. وتكون النتيجة النهائية الفناء، سواء فناء الشخص نفسه أو ما كان يملكه ويدخره وسعى إليه ! فهل هناك شقاء أكبر وأوضح من هذا ؟


www.almaaref.org 
   الاستثمار الأعظم الذي نتناساه كثيراً هو ذاك الاستثمار الأخروي ، الذي يختلف ويفرق أكثر مما يمكن أن نتصور عن استثمارات الدنيا .. فاجراءات الاستثمار للآخرة لا تدخلك في توتر وقلق وبحث عن أناس أسوياء أمناء لا يسرقون ولا يخدعون ، ولا تدخلك في اجراءات قانونية مملة معقدة وأخرى مالية ناسفة وإدارية مهلكة ..

    استثمار الآخرة ، العمل فيه قليل والربح كبير، على عكس استثمارات الدنيا ، بل الأهم أن ما تبنيه وتستثمر فيه للآخرة ، سيبقى ولن يزول أو يعتدي عليه أو يطمع فيه أحد .. ولا تحتاج لأوراق ثبوتية أو سندات أو كفالات وتأمينات.. كل ما تحتاج إليه نية صادقة مخلصة وعمل صحيح دائم وإن قل ، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا ..
   
هل الرسالة واضحة ؟

 بالنسبة لي شخصياً، فقد بدأت تتضح الأمور أكثر فأكثر، ولا أدري عن غيري ، وإن كنت مع ذلك أرجو  وضوح الرسالة لكل من قرأ هذه الرسالة للتو .. وللحديث تكملة بالمقال القادم تحت عنوان ( الحياة.. ما أقصرها ) . والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل .  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق