الخميس، 12 نوفمبر 2015

قصة صاحب النقب



  من القصص المشهورة التي قرأناها ودرسناها في الابتدائية ، قصة صاحب النقب ، الذي لم يعرفه أحد حتى اليوم والى قيام الساعة .. وحقق الله ما أراده .
   
  حاصر القائد مسلمة بن عبدالملك بن مروان في إحدى المعارك ضد الروم ، حصناً منيعاً لهم ، لم يجد المسلمون طريقة لاقتحامه إلا واستخدموها دون جدوى .. حتى قام أحد الجند وقد تلثم ، وأحدث نقباً في جدار الحصن دون أن يتنبه إليه جند الروم ، فإذا ما طلع النهار ، قام صاحب النقب باقتحام الحصن عبر النقب الذي أحدثه ، وفتح إحدى أبوابه ، وما انتبه الروم إلا وجنود مسلمة وقد اقتحموا الحصن مكبرين مهللين ، وانتهى بذلك الحصار الطويل بهزيمة الروم .
  
   بعد أن انتهى المسلمون من المعركة ، قام قائد الجيش مسلمة فنادى في جنده :" أين صاحب النِّقب؟ " فما جاء أحد. فنادى أخرى :" إني قد أمرت الآذن بإدخاله ساعة يأتي، فعزمت عليه – أي حلفت - إلا جاء "..
   
  في الليل والقائد بخيمته جاء رجل فقال للحاجب :" استأذن لي على الأمير". فقال له : " أنت صاحب النِّقب؟ " قال : " أنا أخبركم عنه "، فأتى مسلمة فأخبره عنه، فأذن له، فقال:" إن صاحب النِّقب يأخذ عليكم ثلاثاً : ألا تُسَوِّدُوا اسمه في صحيفة إلى الخليفة ، ولا تأمروا له بشيء، ولا تسألوه ممن هو" فقال مسلمة : " فذاك له "، قال في استحياء : " أنا هو" ! فكان مسلمة ، كما جاءت بالروايات التاريخية ، لا يصلي بعدها إلا وكان يردد دعاءً يقول فيه : " اللهم أجعلني مع صاحب النقب " ..
  

   ابن قيم الجوزية رحمه الله يقول في هذا :" إن الله إذا أراد بعبدٍ خيراً سلب رؤية أعماله الحسنة من قلبه ، والإخبار بها من لسانه ، وشغله برؤية ذنبه، فلا يزال نُصْبَ عينيه حتى يدخل الجنة ، فإن ما تُقبِّل من الأعمال رُفع من القلب رؤيته ، ومن اللسان ذكره "..  

  أن تقوم بعمل صالح وتخفيه عن الناس جميعاً، هو من الأعمال غير اليسيرة في حقيقة الأمر، والشيطان لا يسره قيام أحدنا بعمل صالح يخفيه عن الآخرين باعتبار أن ذلك مسلك الصالحين، أعداء الشيطان الذي لا يمل من دفع أولئك الصالحين لإظهار أعمالهم الخفية الصالحة ولو بنسبة ضئيلة بادئ الأمر، لكي يتسلل إلى نفوسهم بعض الرياء، باعتبار أن أي إنسان منا وبحكم فطرته، يحب المديح والشكر والإطراء ، ويسعد إن قام بعمل خيري يشيد به الناس ويشكرونه ..

   هكذا هي النفس البشرية.. ومن تلك الثغرة الضعيفة بالنفس، يتسلل الشيطان إلى القلب ليدفع بالمرء إلى أن يحول عمله الصالح الخفي إلى ظاهر بيّن .. إذ مع الأيام والتكرار، سيستمر هذا الإنسان في أعماله الصالحة الظاهرة، ويبدأ يتذوق حلاوة الثناء والإشادة حتى يقع في فتنة العُجب واستحسان العمل، فتقل نسبة الإخلاص تدريجياً ليتحول أي العمل الصالح إلى أشبه ما يكون بأي عمل إعلامي، يتحرى صاحبه شوقاً لعبارات المديح والثناء من بعد الظهور بالطبع ، وبعد أن يكون الشيطان قد خلط عليه مفاهيم العمل الصالح وفوائد الإعلان عنها ، إلى غير ذلك من مفاهيم ..

  من هنا يتبين لنا أهمية أن يعالج كل منا نفسه من هذه الآفة إن شعر بها في وقت من الأوقات، عبر غلق أي ثغرة للرياء يمكن أن يتسلل عبرها إلى النفس، مع الإكثار من الأعمال الصالحة والتنويع فيها، وإن كان لا يمنع إظهار بعضها، رغبة في أن تكون نموذجاً ودافعاً للغير مع خطورة ذلك على النفس الضعيفة ، مع الحرص في الوقت ذاته أن تكون غالبية الأعمال الأخرى خافية ، اتباعاً لوصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :" من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل  ".. وأحسبُ أن العمل الصالح يستحق جداً أن نخفيه عن الناس كما نفعل مع العمل السيء ، كما قال الزبير بن العوام رضي الله عنه في هذا الأمر :" اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصالح كما أن لكم خبيئة من العمل السيء ".. وفقنا الله جميعاً لما يحب ويرضى .  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق