الثلاثاء، 22 سبتمبر 2015

هل يتكرر السيناريو الأفغاني الروسي في سوريا ؟


  كان عام 1979 من الأعوام التي لا تُنسى في العالمين العربي والإسلامي ، فقد انطلقت الثورة الخمينية في إيران بداية العام وما أحدثتها من زلزال رهيب  ما زالت المنطقة تعيش نتائجها إلى اليوم ، وما كاد العالم يتنبه لهذ الثورة وأهدافها حتى تفاجئ بخبر احتلال الحرم المكي في نوفمبر من ذلك العام ، الذي وافق بداية القرن الهجري الرابع عشر 1400 للهجرة ، وما كان لذلك من صدمة عميقة ، تبعتها مباشرة صدمة أخرى ربما أعمق وأكثر خطراً باجتياح السوفييت لأفغانستان بدعوى الاستجابة لطلب الحكومة الأفغانية حينها بالتدخل والحماية ، وفق معاهدة التعاون والصداقة الثنائية بين الدولتين ، فتم  فعلاً التدخل وإزاحة حفيظ الله أمين وتنصيب بابراك كارمل ، الذي كان قنصلاً في تشيكوسلوفاكيا .

  اعتقد السوفييت أن بإزاحة حكومة أمين وتنصيب كارمل المتشبع بالفكر الماركسي ، هو حل مناسب ولو الى حين ، من أجل تهدئة الثورة الشعبية التي كانت قد وصلت مرحلة متقدمة في أفغانستان ، وأن الأمر سيتم الانتهاء منه في غضون أيام معدودات ، وفي الوقت ذاته ، يتم السيطرة على البلاد وتحقيق أهدافهم السياسية والاقتصادية واستغلال ثروات هذا البلد الفقير ، عبر حكومة عميلة ، والانطلاق بعد ذلك نحو المياه الدافئة بالخليج العربي .
  
    شاءت الأقدار أن يتخبط قادة الكرملين في قرار الاجتياح الكامل للبلد ، ليتورط السوفييت لسنوات عشر بائسات في حرب أهلكت الحرث والنسل وكانت من أعظم وأبرز نتائجها ، تفكك المنظومة الشيوعية بتفكك وانهيار الدولة الحاضنة والراعية لها ، الذي أدى بدوره إلى نتيجة أسوأ على المنظومة الدولية ، تمثلت في تفرد الولايات المتحدة بإدارة العالم لسنوات طوال تلت تلك الحرب .

   عانت أفغانستان ، بعد الحكم الملكي وسقوط ظاهر شاه ، من كثرة الانقلابات في فترة السبعينيات وعدم الاستقرار ، وقيام بعض الحكومات بإصدار مراسيم وقوانين وإصلاحات تتصادم مع قيم وتراث الشعب الأفغاني الذي يتميز بتمسكه الشديد بالدين ، وبالتالي كانت تلك شرارات كافيات لقيام ثورات متعددة ، تعاظمت في أواخر السبعينات حتى التدخل السوفييتي ، فتحولت الثورات الشعبية ضد الحكومات إلى شبه مقاومة موحدة لعدو مشترك ومحتل للبلد ، ومنها بدأ العالم يسمع عن  الجهاد الأفغاني ، الذي وحّد جهود كثيرة في أفغانستان ، وتقاطعت مصالح قوى خارجية أخرى مع الجهاد الأفغاني التي رأت أهمية استثمار الأحداث في التخلص من المنظومة الشيوعية ، وكانت الولايات المتحدة هي أبرز تلك القوى ومن يسير في فلكها .

  الموقف الأمريكي من الانقلابات وتوتر الأوضاع في أفغانستان والتحركات السوفيتية ، يمكن تحليلها اليوم بعد مرور كل هذه الأعوام ، على أنه كان أشبه بفخ أو استدراج للدب الروسي لميدان يمكن استنزافه ، حيث لم تكن تشير ردود الفعل الأمريكي تجاه ما يحدث بأفغانستان واحتمالية تدخل السوفييت فيها ، أن الولايات المتحدة ستتحرك فعلياً وتجسّد مواقفها المناهضة للسوفييت عملياً على الأرض ، وربما فهم السوفييت ذلك أنه إشارة ضمنية على أن الاعتراض على خطواتهم من الجانب الأمريكي لن يكون بذاك المستوى الذي يمنعهم من أخذ خطوات جادة نحو التدخل العسكري في أفغانستان ، وهو ما حدث فعلاً ، وتم الاستدراج بنجاح ، وبقيت بعد ذلك إكمال الخطوات في إغراق السوفييت في الفخ ، واستنهاض الرأي العام العالمي ضد التحرك السوفيتي وإظهاره بمظهر الراغب في تصدير الثورة الشيوعية إلى بقية العالم ، وبث الرعب في دول الإقليم من هذا الخطر القادم ، ولعبت الصين دوراً غير مؤثر بصورة كبيرة في المشهد الأفغاني وبالمثل باكستان وإن بصورة أكثر تأثيراً ، وبعض دول الخليج .. وحدث ما حدث خلال عشر سنوات من استنزاف للقوة السوفيتية وانهيار رهيب في اقتصادها ، حتى تفكك هذا العملاق وانهار  بصورة دراماتيكية غير متوقعة ، بعد أن كان له دوره في توازن القوى بالعالم ومنع انفراد قوة واحدة والتحكم بزمام الأمور كلها تقريباً كما هو اليوم ..

   تدور الأيام لنجد في الأفق ما يؤشر على أن السيناريو الأفغاني مرشح للتكرار مع اختلاف في الجغرافيا وبعض العناصر في المشهد ، حيث تبدل المكان من أفغانستان إلى سوريا ، والحكومة الشيوعية هناك بنظام الأسد هنا ، وثورات الحركات الجهادية الأفغانية بفصائل المقاومة السورية ،  وتبدلت باكستان إلى إيران ، فيما بقيت الصين كما كانت ، وبعض دول الخليج كذلك ! فيما اللاعبان الرئيسيان، الأمريكي والروسي ،  يعيدان الدور نفسه بعد مرور أكثر من عشرين عاماً على الكارثة التي حلت بالمنظومة السوفيتية .

    اليوم تجد اللاعب الأمريكي يقوم بالدور نفسه تقريباً ، حيث " الميوعة " في التصريحات وردود الأفعال تجاه ما يحدث في سوريا منذ انطلاق الثورة السورية وحتى قبل أيام ، فالموقف الأمريكي مبهم منذ البداية وغير حازم ، ووصل الى حد ابداء بعض القلق فقط مع  التحركات الروسية الأخيرة !! فيما يبدو اللاعب الآخر لم يستوعب الدرس الأفغاني جيداً ، وإن احتمالية الوقوع في الفخ  الأمريكي مرة أخرى  كبيرة بل وكبيرة جداً !

  روسيا بوتين ، المنهكة اقتصادياً من بعد أزمات أوكرانيا والقرم وانخفاض أسعار النفط ، تحاول إعادة أمجاد ستالين ولينين وبريجينف بصورة وأخرى ، وأهمية أن يكون لها حضورها الفاعل القوي على الملعب الدولي ، ومنافسة اللاعب الأوحد الذي لم يظهر من يتصدى له بصورة وأخرى . لكن فيما يبدو للمتابع للوهلة الأولى أن هناك اتفاقاً بين الروس والأمريكان على عموميات المشهد السوري مع بعض الاختلاف في تفاصيله ، لكن من واقع الأحداث أن الأمريكان ما زالوا يعتبرون الروس عنصراً مزعجاً ومعيقاً لتطلعات التوسع الاقتصادي الاستراتيجي نحو آسيا الوسطى ، وثبت ذلك في مواجهة أحداث أوكرانيا وجزر القرم ، التي انتصر فيها الروس على الغرب بعض الشيء ، وكان لهم الصوت الأعلى في توجيه الأحداث ، وهذا ما يبدو أثار الأمريكان وربما دفعهم لنصب فخ جديد لهذا العنصر غير المريح ، وهو ما تمثل  في الفخ السوري  الجاهز للتفعيل .. وإن مشهد تدفق الأسلحة والعتاد الروسي إلى سوريا بحجة وأخرى، شبيه بما كان يحدث أواخر عام 79 في أفغانستان ، وأن الأمر في سوريا عند قادة كرملين الجدد ، لن يستغرق طويلاً لترتيب الأوضاع ، تماماً كما كان الاعتقاد في أفغانستان ، الذي طال الأمر بهم ليصل إلى عشرة أعوام.. الظروف اليوم في المشهد السوري شبيهة جداً بالأفغاني ..  حرب طاحنة مستمرة ، ثورة شعبية ، حركة لجوء كبيرة ، مآسي متواصلة ، فصائل متنافسة ، قوى خارجية ، دول محيطة متربصة قلقة ، دول كبرى تعيد أجندتها وترتب أولوياتها ، مخابرات دولية تخدم أهدافها ، ومصالح متنوعة بين هذا وذاك .

   من خلال رصد واستقراء الماضي ، فإنه لا شيء يمنع إن تعمق التدخل الروسي في سوريا ، أن تتحد فصائل المقاومة السورية على اختلاف توجهاتها ، ضد عدو مشترك خارجي ، كما كان الحال مع فصائل الجهاد الأفغاني ضد الروس وستلعب ايران على الحبلين ما بين الروس والأمريكان ، كما كانت باكستان . ولا شيء يمنع كذلك أن يصاب بوتين في مقتل بسبب مغامراته هنا ، وستخرج روسيا بخفي حنين ، فيما سيسقط الأسد كما سقط نجيب وكارمل وتكون النهاية شبيهة ، ثم  لا يلبث أن يتصارع من جديد الثوار السوريون ، ويحدث أمر أشبه بالذي جرى في أفغانستان .. دولة هزيلة مستنزفة غير مستقرة ..  فيما تستمر الهيمنة الأمريكية على زمام الأمور بالعالم لعقود أخرى قادمة ، وتزداد إسرائيل قوة إلى قوتها ضمن محيط متهالك ، ومنشغل بمشاكله وقضاياه الداخلية لسنوات عجاف قادمات .. أما إيران فربما يترك لها الأمريكان مهمة لعب دور " شرطي المنطقة " لفترة ما تختبر نواياها وقدراتها ، فيما هم سيتجهون وينشغلون حيناً من الدهر بآسيا الوسطى وتعزيز وجودهم عبر القواعد العسكرية هنا وهناك في أوزبكستان وقرغيزستان ، كإشارة تهديد واضحة للدول الغنية بالنفط في تلك المنطقة من أن تميل ميلاً كثيراً نحو روسيا أو الصين بخصوص استخراج النفط والغاز عبر شركات غير أمريكية ، بالإضافة إلى قطع الطريق على أي تفاهمات مستقبلية بين الصينين والروس  من تشكيل قوة اقتصادية بمعية هندية ..

   تلك الاستراتيجية الأمريكية بعيدة المدى تعتبر التخلص من العقبة الروسية شرطاً للاستمرار فيها للعقود الخمسة القادمة دون عقبات ، وربما إعادة السيناريو الأفغاني مع الروس في المشهد السوري ، هي واحدة من تكتيكات تلك الاستراتيجية ، ليتفرغ الأمريكان في تعزيز وتجميع غنائمهم بعد استنزاف الروس، فيما بقية اللاعبين في المشهد السوري ، سيكونون ما بين منشغل بتضميد جراحه وآخر في متابعة خسائره ، وثالث في بناء ما جرت عليه الحرب من كوارث ، وهكذا ..

    فهل يمكن القول بأن الجزء الثاني من " فلم " حرب الروس على الأفغان ، سيبدأ انتاجه وعرضه بعد قليل في السينما السورية ؟ في رأيي أنه لا شيء يمنع من ذلك .. والتاريخ يعلمنا أن أحداثه تتكرر وتتشابه كثيراً ولكن لا أحد يتعظ ويتعلم ، وهذا هو سبب كثرة الحوادث والوقائع ، والأيام حبلى بكثير من المفاجآت ..
لننتظر بعض الشيء إذن ..           

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق