الثلاثاء، 17 فبراير 2015

الأيام ثلاثة .. وإن طال حتى يُمسك

   

    مما جاء عن الحسن البصري رحمه الله ، قال : إنما الدنيا ثلاثة أيام، مضى أمس بما فيه، وغداً لعلك لا تدركه ، فانظر ما أنت عامل في يومك .

   ما نطق البصري سوى الحكمة، فما الدنيا فعلاً إلا أيام ثلاثة . الأمس الذي كنت تعيشه بكافة تفاصيله منذ شروق شمسه الى غروبه ، فإذا نمت الليل وقمت من غدك ، فإذا الذي كان بالأمس قد مضى وأصبح ماضياً لا يرجع ، إن أحسنت فيه كنت أنت المستفيد ، وإن أسأت فأنت المتضرر الأول لا غيرك .

 
 لن يفيدك الحزن والبكاء على ما راح وولى وضاع بالأمس .. كما أنه بالمثل لن يفيدك انتظار الغد أو المستقبل القريب منه والبعيد وتحمل همه وتشغل حواسك ومن حولك بالقلق وحمل همومه ، فلعلك لا تدركه كما قال البصري ، وربما الذي أنت قلق بشأنه وتحمل همه وتنغص على نفسك يومك وحاضرك ، ربما لن يقع بالشكل الذي تتخيله أو كما صورته بذهنك ، وربما لن يقع بتاتاً .. فما العمل لو لم يقع ما كنت قلق بشأنه ؟ لا شيء سوى التحسر على أوقاتك التي ذهبت سدى وأنت تنتظر غدك .

   من هنا ، احرص أن تعيش لحظتك ويومك ، فإن يومك أو حاضرك هو الفعل الجاري وهو من تعيشه بتفاصيله ، وعندك من الوقت الكثير لتعيشه بكل لحظاته ، تستثمره وتستمتع به وتعيش حياتك كما أمرك ربك .. فلا تحزن على ما فات ولا تحمل هم ما هو آت ، بل عش يومك واحمد ربك أن أعطاك من العمر يوماً آخر لتعيشه ، فانظر ما أنت عامل فيه . 
     
مما قاله الحسن البصري أيضاً وهو ينصح تلميذاً له :
 إذا جالست العلماء ، فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلم حسن الاستماع تتعلم حسن الصمت ، ولا تقطع على أحد حديثه وإن طال حتى يمسك .. تلك كلمات مختصرات من رجل ينطق درراً وحكمة.. وهي القواعد الأساسية التي تُدرس بالجامعات والمدارس ومراكز التدريب لأجل التعلم واكتساب الحكمة والاحترام والتقدير من الآخر .

  القاعدة الأهـم التي نريد التوقف عندها، والتي كررناها في مناسبات ومواقف عديدة سابقة تدور حول أهمية الإنصات وليس الاستماع فقط ، الى من يتحدث ، سواء كان محدثك يقدم علماً أو يبدي رأياً ووجهة نظر معينة في مسألة معك وغيرك .

  لو تأملنا مشكلة تقع يومياً مع كثيرين منا ومتمثلة في عدم الانصات الى الآخر ، لوجدنا أنها سبب لكثير من الأزمات والعثرات في علاقاتنا الإنسانية .. إذ تجد رغبة كل أحد منا في الاجتماعات على سبيل المثال ، أن يستأسد ويكون له النصيب الأكبر في الحديث، فيما الناس تستمع إليه ، بل والأكثر من ذلك عدم انصاته هو للآخر والحرص على مقاطعته !

   زبدة الحديث ..
  حاول وتدرب مراراً وتكراراً على أن تضبط نفسك وأعصابك ولسانك. لا تتكلم من قبل أن تسمع كاملاَ. دع المتحدث ينهي حديثه بالتمام وبالكمال، واستمع له بإنصات وتركيز وفهم، من قبل أن ترد وتناقش.. والقرآن يدعونا الى أهمية الإنصات في قوله تعالى :"  وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " .. فهذا درس قرآني عظيم في أهمية الاستماع بل الأفضل والأرقى هو الإنصات، الذي بسببه يحدث الود والألفة بين المتحدث والمستمع أو المنصت ، وكلنا يبحث ويرغب تلك الألفة مع الغير .. أليس كذلك ؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق