الأحد، 19 أكتوبر 2014

التخاطر عن بُعـد .. قوة خفية منسية

 
   توارد الخواطر .. أو التخاطر عن بعد ، أمر ما زال محيراً للكثيرين . إذ على الرغم من وقوع حوادث قديمة وبالمثل في عصرنا الحديث ، تدل على ما نسميه بالتخاطر عن بعد سواء بقصد أو دون ، إلا أن الأمر لا يزال مدار بحث ونقاش، وما بين مصدق له ومشكك وفريق ثالث مكذب لا يقبله البتة . 

 دعني أثير انتباهك بهذا السؤال..
ألم تمر عليك حادثة واحدة أو اكثر ، تكون مهموماً بأمر ما كالتفكير في التواصل مع شخص معين ، بحيث لا تكاد تنتهي من بحث فكرة الاتصال به ، إلا وقد فاجأك بتواصله هو ، سواء بوسائل الاتصال المعروفة أو تجده وقد حضر أمامك على شكل زيارة مفاجئة غير مرتبة الموعد ؟

   مثال آخر تاريخي قديم ومشهور في حياة الفاروق عمر رضي الله عنه ، وقصته  المعروفة مع صحابي يُدعى سارية، وكان قائداً لسرية بعثها عمر إلى العراق ..  فقد أورد المؤرخون القصة عن ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما وأرضاهما ، أنه – ويقصد الفاروق عمر - كان يخطب يوم الجمعة،  فعرض في خطبته أن قال : يا سارية .. الجبل ، الجبل ، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم ... فالتفت الناس بعضهم إلى بعض فقال لهم علي بن أبي طالب وقد كان حاضراً الخطبة : ويحكم، دعوا عمر ، فإنه ما دخل في أمر إلا خرج منه..  فلما فرغ الفاروق من خطبته ، سألوه،  فقال : والله ما ألقيت له بالاً.. شيءٌ أتى على لساني .. فقد وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا وأنهم يمرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجه واحد ، وإن جاوزوا هلكوا ، فخرج مني ما تزعمون أنكم سمعتموه .. 

   ثم ما لبث أن تبينت القصة فيما بعد، فقد قدم سارية  على عمر في المدينة  فقال:   يا أمير المؤمنين، تكاثر العدو على جنود المسلمين وأصبحنا في خطر عظيم، فسمعت صوتاً ينادي: يا سارية .. الجبل، الجبل، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم . عندئذ التجأت بأصحابي إلى سفح جبل واتخذت ذروته درءاً لنا يحمي مؤخرة الجيش، وواجهنا الفرس  من جهة واحدة، فما كانت إلا ساعة حتى فتح الله علينا وانتصرنا عليهم !

   التخاطر عن بعد ، بدأ العلماء في دراسته كحقيقة علمية موجودة وواقعة وإن لم يقدر العلم الحديث على اثبات ذلك بأدلة واضحة واقعية ومتكررة . وهذا الأمر له علاقة كما يقول العلماء بعالم الروح الشفاف ، الذي يختلف عن العالم المادي المحسوس والظاهر، إذ أن الإنسان يعيش بين عالمين ، مادي محسوس وظاهري، وآخر روحي غير ظاهر ، لكنه موجود،  ولا يمكن لأحد أن ينكر وجوده حتى وإن لم يستطع تصديقه وقبوله في الوقت ذاته..
   
   لتبسيط وتوضيح الأمر ، يقول المشتغلون به من علماء النفس بأن التخاطر عن بعد أو " تيلي باثي Telepathy  " ،  له علاقة وثيقة بالمخ وقدراته الهائلة ، وأن العملية هي أشبه بعمليات ارسال واستقبال الذبذبات الالكترونية كما في عالم الاتصال أو عالم الهواتف على سبيل المثال ، حيث هناك محطة تُرسل ذبذبات ، وبالمقابل توجد أخرى تستقبل تلك الذبذبات وبالتالي يحدث التواصل .

    بالمثل نجده واضحاً في موضوعنا .  المحطة هنا هي المخ .. محطات الإرسال والاستقبال ها هنا هي المخ البشري.. مخٌ يرسل ذبذبات الكترونية وآخر يستقبلها .. ويقال بأنه لإتمام عملية التواصل بالشكل المأمول ، أو الإرسال والاستقبال ، فلا بد من شروط ، أهمها أن تكون النفسُ صافية طيبة شفافة ، فكلما قويت تلك العوامل بالنفس ، سهلت عملية التخاطر مع نفس أخرى شبيهة . إذ لا يمكن أن يحدث التخاطر في بيئة ضوضاء أو نفس بشرية عصبية حاقدة حاسدة مليئة بالكراهية ، فكلها تعمل عمل الموانع والحواجز .

   الموضوع ممتع وسهل الاستيعاب، ولمن أحب الاستزادة سيجد الكثيرين قد أبحروا في هذا المجال وكتبوا بالتفصيل عنه . إن توارد الخواطر، قوة نجهلها لكن يمكن فهمها والتعمق فيها وبالتالي استخدامها . الأمر يعتمد على قناعاتك بقدراتك التي وهبها لك الخالق سبحانه..
فانظر ماذا ترى .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق