الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

الملائكة لا يخطئون ..


  ثبت عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، أنه قال : ( لو لم تذنبون ، لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيُغفر لهم ). هل وجدت رحمة إلهية أعظم من هذه ؟  إنه عليم بالنفس البشرية التي لم يعصمها من الخطأ والزلات يوم أن خلقها ، فنحن لسنا كجنس الملائكة المعصومين ، الذين لا يعصون الله ويفعلون ما يؤمرون . نحن خلقنا الله ومنحنا عقلاً نميز بين الخطأ والصواب ، ومع ذلك تجد منا من يخطئ ، والعبرة ليست بوقوع الخطأ ، ولكن العودة سريعاً الى الله والتوبة والاستغفار ، ولو تكرر الأمر مرات ومرات ، وعدم اليأس والقنوط ، فالله لا يحب اليائسين القانطين ، بل يعتز بالتائبين المستغفرين ..

  تلك مقدمة أشبه ما تكون بخلاصة لموضوع اليوم ، فمن أراد ألا يكمل القراءة ، يمكنه ذلك فرسالتي وصلت الى هنا ، ومن أراد معرفة المزيد فإليكم بقية المقال ، الذي يدور حول قصة امرأة تخطئ وتصيب ، شأنها شأن أي إنسان ، رجلاً كان أم امرأة .

   أخطأت في حق زوجها ، وانتبهت واعترفت ووعدته ألا يتكرر الخطأ منها ، وظلت مخلصة له ولبيتها وأبنائها . لكن الزوج ، ثبّت الخطأ في ذهنه وسيطر على زوجته الى درجة الإذلال الكامل ، مستعيناً بخطئها في كل مرة يريد أن يمرر قراراً له ، بحيث تنحني وترضخ وتقبل ولا تناقش ، وهي كانت كما أراد زوجها ..

   الأمر لم يكن لأيام وأسابيع ، بل ظل لأكثر من عشرة أعوام ، وهي صابرة محتسبة ، من أجل ألا يفرط زوجها ويغيب العقل في لحظة ما ويتخذ قراراً بهدم أسرته .. وظلت الزوجة تشعر " بعـقدة الذنب " هذه طوال تلك السنوات ، فهي إن أرادت أمراً له مردود طيب عليها وأسرتها ، لا تتخذ قراراً ولو كان صائباً مائة في المائة ، بسبب عقدتها تلك ، وأن زوجها لن يقبل لمجرد أن الأمر صادر منها .. وهكذا عاشت تعيسة لسنوات طوال ..
  
   ليس منا من لا يخطئ ، ولسنا أرحم ولا أكثر حكمة وأجلّ قدراً من رب العباد سبحانه .. فمن نحن حتى لا نرحم ونغفر ونتسامح مع بعضنا البعض ؟  ما هذا الظلم الذي نرتكبه بحق بعضنا البعض ، وما هذه القسوة التي نمارسها على بني البشر ، وخاصة أقرب المقربين كالزوجة مثلاً أو حتى العكس ؟
  
   في قصة المرأة ، يتبين لنا أنها قامت بالصواب منذ البداية حين قررت الاعتراف بالذنب والتوبة وعدم العودة إليه .. وأصبحت امرأة صالحة مطيعة لزوجها حريصة على بيتها ، وفي حالتها تلك ، فإن استمرارها باستشعار عقدة الذنب في كل خطوة وكل أمر وكل لحظة ، هو عائق كبير يمنعها من أن تواصل حياتها بشكل سليم . والحل الأمثل أن تتخلص من العقدة بان تستشعر أن هناك رباً يغفر الذنوب والزلات، وتتيقن تمام اليقين أنه يغفر الذنوب مهما عظمت لأنه لا شيء أعظم من العظيم سبحانه ، الرحيم بعباده . هذه نقطة أولى .

   نقطة ثانية يجب اتباعها في حالات مثل حالة الزوجة مدار حديثنا اليوم ، أن تجلس الى زوجها المعاند والمستمر في تذكيرها بذنبها في كل أمر ،  وتشرح له الوضع بكل وضوح ، فإن ما كان مطلوب منها قامت به ، فإن رضي واقتنع كان بها وإلا  فالأمر سيكون مشكلته هو ، الذي لا يريد أن يقتنع وأن يعدل عن رأيه ، وليست مشكلة الزوجة كي تعيش أبد الدهر تعاني من تلك العقدة .. عليها أن تكون قوية في مجابهته ، فهي في نهاية المطاف من البشر وليست من الملائكة .
  
   خطأ الزوجة في السنوات العشر هو رضوخها وسلبيتها بسبب عقدة الذنب ، وهذا الرضوخ سببه عدم مسامحتها لنفسها وعدم الإيمان التام بأن غفار الذنوب في السماء وهو من يغفر ويعفو وليس أولئك المخلوقين من الطين .. وهذا لا يعني ختاماً ، الموافقة على عملها منذ البداية الذي تسبب في عقدتها ، ولكن خطأ ما صدر عنها ولا يمكن أن يكون أحد من البشر معصوماً عنه .. وكما ذكرنا سابقاً ، ليست المشكلة في الوقوع في الخطأ ، ولكن تكرارها وعدم التوبة والاستغفار واللجوء الى الله سريعاً لمنح النفس إيماناً وطاقة للتثبيت ، في عالم أو حياة خلقنا الله لها لأجل الاختبار وتصنيف الناس وقت القرار الأخير يوم الدين ..
  
   لنكن إذن متسامحين مع بعضنا البعض ، متذكرين دوماً أن الله غفار رحيم عفو كريم ، وما نحن إلا عباداً له نستلهم من أسمائه وصفاته العلا، بعض ما يعين على التعامل مع بعضنا البعض . لنتسامح ونتصافى ونغض الطرف عن الزلات والعيوب ، فالحياة أقصر من أن نقضيها في تتبع العثرات وتصيد الأخطاء والتذكير بالذنوب والخطايا ، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ، وهل هناك ما هو أجمل من الستر يوم الدين ؟ فاللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا ، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وشمائلنا ومن فوقنا ، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال من تحتنا ..