الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

قفزة فيلكس وعقليات النقص ..



   لم أتوقع هذا الكم من التعليقات " العربية " على ما قام به المغامر النمساوي فيلكس قبل أيام لأجل تحقيق رقم عالمي غير مسبوق في القفز من ارتفاع عال ، فهو لم يكتف بالمسافات المعتادة بل طلب أن يصل الى ما قبل بداية طبقة الغلاف الجوي ليقفز من هناك ! أي مسافة 40 ألف متر ، وهي المسافة التي يقطعها مكوك الفضاء بقوة صواريخ الدفع ليخرج من الغلاف الجوي لأداء مهامه ..

   ما يهمنا ليست المغامرة ها هنا ، فالرجل حقق ما أراد وسجل اسمه في سجل الأرقام القياسية العجيبة ، سواء استفاد من مغامرته أم لم يستفد ، وبقدر ما أثارتني مغامرته وشجاعته ، فإنه بالقدر نفسه ساءني ما قرأت وتابعت من تعليقات عربية على المغامرة ، سواء كانت على شكل نكت واستهزاء بالرجل ، أو على شكل محاولات تبدو مستميتة لتحليل المغامرة على أنها غير حقيقية وواقعية ، وأنه جزء من تمثيل ودعاية وغيرها من تحليلات غير منطقية.

   بداية أقول : لم الاستهزاء بالرجل ولم هذا الكم الهائل من النكات عليه ، ولم المقارنات بينه وبين غيره ؟ بل وصل البعض أنه أقحم سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم في الموضوع ، ليقول لمن افتخر بالمغامر أن رسولنا الكريم وصل الى السموات قبل هذا الرجل ، وغيرها من تفصيلات لا يجب أن تقع أو يقوم أحد بالمقارنة ، لأنها مختلفة تماماً .

   الغرب تابع المغامرة باهتمام شديد وتمنى أن يصل المغامر الى الأرض سالماً لكي يحتفلوا معه بانجازه ، أما نحن فقد جلسنا قبل أن يصعد الرجل للمهمة ، نستهزأ به ونقلل من شأن مغامرته ، بغض النظر عن مدى فائدتها له أو لغيره ، بل وجلس بعضنا بعد أن قام الرجل بالمغامرة ، يحلل رحلة القفز من البداية الى النهاية ، لكي يستنتج في النهاية أو يريد أن يقول بأن المسألة كلها مزيفة ومفبركة ولا صحة لما رأيناه وتابعناه على الهواء مباشرة ، فيما قام آخرون بإعادة سيرة عملية النزول الى القمر التي قام بها الأمريكان في رحلة أبولو عام 1969 وأنها مزيفة وغير حقيقية !!

   ما الضرر الذي يعود علينا نحن العرب إن قام مغامر مثل فيلكس بهذه العملية ؟ وما الضرر إن كانت العملية كلها مفبركة وغير واقعية كما يزعم البعض ؟ لماذا جلسنا في صف انتقاص انجازات الآخرين البشرية ، ولماذا وصل بنا العجز أن قمنا باستحضار رحلة الاسراء والمعراج للنبي الكريم لنرميها بوجه المتابعين للمغامرة من أجل الانتقاص من شأنها ، مع أن المقارنة غير منطقية أساساً لأن الاسراء والمعراج برعاية ربانية توقفت فيها كل قوانين الفيزياء على النبي الكريم ، فيما المغامر هذا قام بالعملية وقوانين الفيزياء كلها واقعة ثابتة لم تتغير أو تتوقف ؟

   تساؤلاتي لا تدور حول المغامرة بقدر ما هي حول بعض عقليات انتقاص ذوات وانجازات الآخرين . تلك العقليات التي ما زالت تنتقص وتقلل من شأن ما يقوم به غيرنا ، وهو ما لا أجد تفسيراً لهذا السلوك سوى أنه تبرير لعجز هائل فينا ، وتغطية لكسل وعدم انتاجية نتميز بها دون سائر العالمين وللأسف .. وما هذا التشنيع لفعل المغامر أو الانتقاص والتقليل من قيمة مغامرته أو محاولة بيان زيفها ، سوى محاولات مكشوفة لتغطية عجزنا عن مقارعة الآخرين في الانجازات سواء لأنفسنا أو لغيرنا أو للبشرية جمعاء ، ولا أجد تفسيراً آخر حتى الآن لهذا المسلك المعيب غير الحضاري ، إلا إن كان لأحدكم رؤية أخرى وتحليل وتفسير لما جرى ..

   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق