الخميس، 13 سبتمبر 2012

مسلسل الإساءات مستمر .. لكن ماذا بعد ؟


  إساءة هنا تتبعها على الفور إساءة أخرى هناك على الجانب المقابل، كنوع من رد الفعل المساوي له في المقدار والمضاد له في الاتجاه.. أو هكذا الحاصل الآن بين إساءة غربية لمشاعر أتباع دين عظيم، وبين ردود أفعال أولئك الأتباع على ما يتعرض له دينهم من إساءات تتنوع وتتكرر أيضاً.

   الفيلم الذي ظهر وأُنتج مؤخراً في الولايات المتحدة، والذي أظهر إساءة بالغة لرمز ومقدس من مقدسات المسلمين، لا يمكن وصفه بالفني أو الهادف أبداً، وإن كان بالطبع يهدف إلى بث مشاعر كراهية واضحة المعالم، ويهدف إلى إثارة فتنة دينية تستهدف دولاً محددة لاسيما مصر، باعتبار أن المروجين له أقباط مصريون يعيشون بالولايات المتحدة، تعاونوا مع أياد أمريكية متطرفة متمثلة في القس تيري جونز المعروف بعدائه السافر للإسلام والمسلمين، وأياد إسرائيلية متمثلة في مخـرج العمل ومموليه الذين بلغ عددهم حوالي 100 شخصية يهودية.
  مثل هذا العمل بكل تأكيد ليس المقصد منه إضافة فنية بقدر ما هو إضافة لمزيد من حطب الكراهية إلى نار الفتنة التي لا يريد البعض أن تنطفئ بل يريدونها جذوة متقدة على الدوام.. وقد قالها صراحة القبطي موريس صادق في لقاء مع إذاعة البي بي سي أن هذا الفيلم يهدف لبيان إرهابية الإسلام كدين، وهمجية أتباعه، مشيراً بكل وضوح إلى مصر، وزعم اضطهاد الأقباط فيها، وأن مصر تاريخياً دولة قبطية وهي اليوم محتلة إسلامياً، ولابد أن يتم تعديل هذا الوضع غير المقبول قبطياً، فتعود مسيحية قبطية، ولهذا الهدف هم يعملون ولهذا الهدف هم يجتهدون، ولو أدى ذلك إلى إهلاك الحرث والنسل في مصر وغيرها.. هكذا كان في لقائه دون تورية أو أدنى دبلوماسية. هذه نقطة أولى في الموضوع.


   النقطة الثانية تدور حول ذاك الكم الهائل من التنديد ببعض نتائج ردود الفعل في كل من مصر وليبيا. سواء كان من الطرف العربي أو الأمريكي، حتى يُخيل إلى المتابع والمراقب أن الحدث الرئيسي هو مقتل سفير وليس الإساءة إلى نبي ودين وملة. هكذا تناست جموع غفيرة من عرب ومسلمين وغيرهم المشكلة الرئيسة أو بذرة الفتنة أو شرارة النار التي أحرقت القنصلية الأمريكية في بنغازي واختنق بدخان نيرانها السفير ومن معه حينها.
   لا أحد بكل تأكيد يبرر أفعال عنف ضد مخالفين لك في الفكر أو الثقافة بشكل عام. وديننا أحرص دين على صون الدماء البشرية، ويدعو دوماً إلى السلم والحوار والجدال بالتي هي أحسن، حتى يبدو الذي بينك وبينه خصام وعداوة كأنه ولي حميم صديق. هكذا هو الدين الإسلامي الذي نفهمه جميعاً دونما كثير شروحات وتفصيلات، والذي يريد البعض تشويهه بكل صورة ممكنة، دافعاً ببعض عوام المسلمين الذين تأخذهم الحماسة المغيبة للعقل والمنطق، فيؤدون أدواراً يثبتون صحة ما يسعى إليه دعاة الفتنة والبغضاء والعداوة في الغرب، وهي حقيقة لا ننكرها، بل تحتاج إلى معالجة نوعية من عقلاء وحكماء وعلماء الأمة، لأنها متكررة، إذ يبدو أن استغلال العوام أمر استأنس به مثيرو الفتنة، فصاروا يطلبونه حثيثا.

   استغراب الرئيس الأمريكي من تطورات الأحداث في ليبيا والتي أدت إلى مقتل سفيره وآخرين معه، واندهاش وزيرة خارجيته من ذلك، لا يخرج من دائرة استغلال الحدث للحملة الانتخابية القادمة بكل تأكيد. ما الذي يدعو إلى الاستغراب والاندهاش؟ مقتل السفير أم إصرار بعض متطرفيهم كالقس جونز بمعية متطرفين أقباط مهاجرين على مس مشاعر أمة مليارية تختلف ثقافاتهم وتقاليدهم رغم وحدة دينهم؟

  لماذا لا يستغرب السيد أوباما من ذاك التطرف المستمر في بلاده ضد رموز ومقدسات المسلمين دونما تحرك إيجابي من إدارته، حتى إذا ما أصابت نيران الفتنة التي يشعلونها في بلاد المسلمين، أحد مواطنيه أو مصالح بلاده، أمر بتحريك البوارج العسكرية وقوات المارينز مسلسل الإساءات مستمر.. فماذا بعد؟   لحفظها بطريقتهم الأمريكية؟ أي عقلية هذه التي لا تعترف سوى بقوة الساعد والسلاح في أي خلاف حتى لو كان ثقافياً أو حضارياً، وتريد أن تفرض رأيها وثقافتها وهيمنتها على الآخرين بقوة نيرانها؟
  النقطة الثالثة في الموضوع تتعلق بدول الربيع العربي، مصر ثم ليبيا واليمن، التي يبدو أن هذه الفتنة أوضحت لحكوماتها أهمية تعزيز الأمن الداخلي، باعتبار أن فلول الأنظمة السابقة ما تزال موجودة وتتحرك وتنتهز أي فرصة يمكن من خلالها إثارة القلاقل وإحراج الحكومات الجديدة مع الغير، وهذا ما يبدو أنه يحدث الآن في مصر وليبيا واليمن.. إن وصول التنديد بالفيلم المسيء إلى حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى قصف وحرق قنصلية بمن فيها في ليبيا، والإصرار على اقتحام السفارة الأمريكية بالقاهرة لعدة أيام وبالمثل في اليمن، دليل أن هناك من يريد استغلال هذه الفتنة في تحقيق مآربه، فلا يجب أن يُسمح لهم بذلك، وإلا انفلت زمام الأمر وتوجهت الأنظار إلى قضية أخرى وننسى الفتنة التي سيسعد مثيروها بتخبط المسلمين وتحولهم من الأهم إلى الأقل أهمية، وهكذا..
ما المطلوب؟
•   منظمة المؤتمر الإسلامي مطالبة بإجراء سلسلة من الحوارات مع الإدارة الأمريكية والأوروبية على توعية شعوبهم أن حرية التعبير لا تعني ازدراء الأديان ورموزها وإثارة الفتن.
•  حكومات الربيع العربي مدعوة للتأكيد على أن تكون علاقاتها بالولايات المتحدة بناء على مصالح مشتركة، ويتم الأخذ وبقوة القانون على أيدي مثيري الفتن من الطرفين، وتكون للأديان احترامها.
•  علماء الأمة مطالبون بتكثيف رسائل توعية الجمهور حول كيفية التحاور مع الغير والخلاف معه، ونبذ العنف الذي إن دخل في أمر، شانه، عكس الرفق والحكمة في التعامل.
•  الولايات المتحدة ودول الغرب بشكل عام مطالبة باحترام العالم الإسلامي بشكل عام، فالتفوق الحضاري لا يعني إطلاق أياديهم في هذا العالم واحتقاره ومن ثم المطالبة باحترام مبادئهم وقوانينهم حين ترتد عليهم بعض شظايا من أعمالهم بأيدي المسلمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق