الأربعاء، 26 أكتوبر 2011

كن شجاعاً واعترف بالخطأ ..

    قليل هم أولئك الشجعان الذين يعترفون بالخطأ إن صدر منهم، وتبين لهم ذلك بوضوح.. ولماذا هم قلة؟ لأن الثقافة المجتمعية لا تساعد على ظهور أمثال هؤلاء الشجعان، الذين لا يبحثون إلا عن سيادة الحق لا غيره، وإن كانت على حسابهم.. 

   إن الحكمة من دراسة التاريخ هي الاستفادة من أخطاء الماضي، وإلا فلا داعي منها إن كانت الأخطاء ستتكرر ويستمر المخطئ على خطئه.. هذه نقطة أولى في موضوع اليوم، أما النقطة الثانية المهمة تدور حول القدرة على التنبه للخطأ، لأن ذلك يحتاج إلى فن ومهارة، بل الأفضل ليس في اكتشافه فحسب، بل العمل الفوري على معالجته. 
   
   الشيخ محمد الغزالي رحمه الله يقول في سياق الموضوع إن: "ما يثير الحسرة، هو رفض دراسة الأخطاء التي تورط فيها بعضنا، ولحقت بنا من جرائها خسائر فادحة.. الأخطاء لا تخدش التقوى والقيادات العظيمة ليست معصومة ولا يهز مكانتها أن تجيء النتائج عكس تقديراتها.. إنما الذي يطيح بالمكانة هو تجاهل الخطأ ونقله من الأمس إلى اليوم وإلى الغد..." انتهى.

   مشاكلنا في المؤسسة الإدارية مهما تكن هذه المؤسسة، تتلخص في أننا، كقيادات أولا ومن ثم من هم أقل درجة وظيفية، لا نعترف بالخطأ، حتى لو ثبت الأمر علينا، وظهر أمر المتسبب في الخطأ.. بل يظل المرء منا يدافع عن نفسه ويحاول التنصل والتبرير إلى آخر نَفَسٍ أو طاقة فيه، ويظل يجادل ويظل متنقلا في مواقع الدفاع من موقع التبرير إلى الجدال، ومن ثم إلى المِراء حتى ينتهي به الأمر إلى العناد، فإن وصل المرء إلى العناد، فعليه وعلى من معه السلام!

  ولعل السبب في ذلك يعود إلى العقلية التي نحن عليها أو إلى التربية التي نشأنا عليها.. إذ لا يوجد في ثقافتنا المعاصرة ما يدعو إلى قيمة السمو على النفس في مواقف الأخطاء.. وهذا ما يدعو إلى أهمية التغيير التدريجي ونشر تلك القيمة وتعزيزها بالنفوس حتى نجد ذاك المرء منا ينتقل، بفعل تلك القيمة الراقية العالية، من عقلية التبرير إلى الدخول في منهج دراسة أسباب التقصير والاتصاف بروح الشجاعة التي تأبى الكذب وتتجه إلى الاعتراف بالخطأ وأن هذا الاعتراف فضيلة وخُلق عال راق.

   إن غياب تلك الروح من الأسباب الرئيسية لابتعاد التوفيق عن أعمالنا، وعدم الوصول إلى النجاح في الوقت المناسب وبالصورة المرغوبة.. قد تجد البعض يخلص في ترتيب وإصلاح ما لحق به الضرر في موقع العمل، بسبب أخطاء ماضية.. ولكن ذلك الإخلاص والحماسة نحو الإصلاح دون دراسة الأخطاء الماضية يمكن أن يؤدي إلى تكرار الخطأ من جديد ولو بعد حين..

   الاهتمام ها هنا لا بد أن يكون منصباً على الأعماق من أجل الوصول إلى الجذور والأساسات، فإن الخلل في هذه المواضع كالسوس، ينخر فيها حتى مرحلة الخطر والانهيار، والتنبه إلى تلك المواضع من شأنه تدارك الأمور وعلاجها، ومن ثم ضمان أمن الموقع واستمراريته، وهذه نقطة مهمة، حتى إذا ما تم علاج الجذور وما بها من آفات، يتم التحول إلى بعض الشكليات والمظاهر الخارجية، وهي التي نسميها باللمسات الأخيرة أو النهائية التي تعطي الموضوع كله رونقا وبهاء..   


   إن السير عكس ذلك الطريق في العلاج، أشبه بمن يقاوم النهار الطالع، أو من يحاول إمساك الليل المدبر، وإن من الحكمة الإقرار بالخطأ في الوقت المناسب لأنه يزيل نصف الخطأ، فيما النصف الأخر نصححه أو نزيله بالعلاجات التي تحدثنا عنها قبل قليل.. فهل يبدأ أحدنا بنفسه من الآن ويبدأ بتعزيز قيمة الاعتراف بالخطأ ويتحلى بالشجاعة اللازمة لذلك في الوقت المناسب، أم أن الاستمرار على ما نحن عليه أهون وأسهل وكفى الله المؤمنين شر القتال ؟






هناك تعليق واحد: