الجمعة، 29 أكتوبر 2010

ثقافة التسطيح ؟



     
  تحدثنا من ذي قبل عن ثقافة التمرير، وكانت الرسائل المتنقلة بين مستخدمي الإنترنت لب الحدث أو أساس تلك الثقافة التي ظهرت مع توسع الناس في استخدام الإنترنت وتمرير الرسائل الإلكترونية بين بعضهم البعض، وتحدثنا عن إيجابيتها وسلبيتها. 

  طالبنا في حديثنا عن ثقافة التمرير بالتحقق من دقة وصحة أية رسالة تصلنا قبل تمريرها للآخرين، حفاظاً على المصداقية والثقة في علاقة بعضنا ببعض في عصر الإنترنت والفضائيات، التي أفرزت لنا بجانب ثقافة التمرير، ثقافة أخرى قديمة ولكن متجددة بصورة بالغة التأثير، هي ثقافة التسطيح. 

  
التسطيح يعني ذاك الاهتمام بالقشور في الموضوعات والقضايا، أو النظر إلى الأمور بنظرة سطحية وترك اللب أو الغوص في الأعماق، وهذه ثقافة يقوم عليها كثيرون ويؤكدون عليها ويحرصون أشد الحرص على تعزيزها.. وهؤلاء الآخرون إما على شكل دول أو أحزاب أو مؤسسات أو شركات أو على شكل أفراد. 

  وقد راجت هذه الثقافة قديمة وانتشرت في مجتمعات القمع والإرهاب أو التصفيق والتطبيل، قام على نشرها والتأكيد عليها زعماء وحكام وجبابرة البشر، وأرادوا من نشر ثقافة التسطيح تغييب الوعي العام عن عظائم الأمور والقضايا المهمة، فكانت جل معارف شعوب أولئك الجبابرة عبارة عن معلومات غاية في السطحية للكثير من القضايا الحياتية ولفترات طويلة من الزمن، حتى لم يعد الكثيرون يقدرون على معرفة الحق أو تمييزه من الباطل والصواب من الخطأ بسبب تلك الثقافة.
 أما اليوم، وبفعل وسائل الاتصال من فضائيات وإنترنت وغيرها، فقد تسارعت عجلات هذه الثقافة بين البشر، وتقوم وسائل إعلامية بدور رهيب وغاية في الخطورة في نشر ثقافة التسطيح حول الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ورغم القوة الهائلة لشبكة الإنترنت تحديداً، للقيام بدور الضد لهذه الثقافة وبيان الحقائق أولاً بأول، إلا أن الملاحظ هو تزايد أعداد من تتسطح ثقافتهم يوماً بعد يوم، لاسيما في القضايا المصيرية العظيمة، وشواهد ذلك كثيرة حولنا يمنة ويسرة. 

  إذن نشر الوعي مطلوب، لاسيما من قبل النخب المثقفة المطّلعة على بواطن الأمور وحقائق الأشياء، وإنّ ترك بعض وسائل الإعلام ومواقع في الإنترنت تسرح وتمرح بين الشعوب لتزيد من تجهيل وتسطيح العقول، أمرٌ غير مقبول البتة، بل صار من الواجب العمل على تفعيل الضد وتوعية الشعوب وتعميق الفكر فيهم، واستثمار نفس الوسائل أو الأسلحة المستخدمة في نشر ثقافة التسطيح، لتعم بدلاً منها ثقافة التدبر والتفكر والتأمل، التي لا شك نتاجاتها ستكون عظيمة الأثر، لاسيما في هذه الأمة التي لها عشرات من القضايا التي تتعرض للتسطيح والتجهيل كل يوم، وقضية الأقصى أبرزها، وفقدان الهوية تاليها.. فهل النخب المفكرة على قدر المسؤولية؟ أرجو ذلك.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق