أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الأربعاء، 15 فبراير 2017

حاورهم بالحسنى


   ليس في اختلاف الآراء شيء يعيب، بل إن الأصل هو الاختلاف وهو الطبيعي أو هو المطلوب أن يكون في كثير من أمور حياتنا، بما فيها الدينية من تلك التي لم يأت نص صريح واضح بشأنها.. وما عدا ذلك فلا شيء أن نختلف، لأننا في الأساس مختلفون في الأهواء والأمزجة والعقليات.

  لكن مشكلة البعض في هذا الأمر، تجدها كامنة في فكرة قبول الرأي الآخر. تجده لا يستسيغ قبول الآخر بل ربما لا يتصور ذلك، والسبب في رأيي هو ضيق الصدر وقصر النظر. هذا إضافة إلى ثقافة الإلغاء أو الإقصاء التي يكون قد نشأ عليها أو تعلمها أو مر بها في تجربة حياتية قاسية، دفعته إلى إحياء وإعادة التجربة من جديد ولكن مع الغير، ليجد في التجربة نوعاً من التنفيس عما بنفسه، أو رغبة في إكمال عقدة نقص شديدة التأثير عليه، ربما يكون مبتلى بها، وبالتالي لا يجد طريقة مناسبة - حسب اعتقاده -  سوى تطبيق فكرة الإلغاء أو الإقصاء أو قهر المخالف، طريقة مناسبة للشعور بالارتياح، واستشعار قيمته أمام الغير!


  لا شك أن الإلغاء مرفوض في جدالنا الحياتي المتنوع، لكن الحوار هو الأداة الأسلم لتجنب كثير من المشكلات الناجمة عن ثقافة الإقصاء أو الإلغاء. ولهذا لابد لثقافة الحوار أن تسود مجتمعاتنا، انطلاقاً من دين رباني حنيـف يدعـو إلـى الجـدال بالتي هي أحســن، فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ، كأنه ولي حميم.

  إنها دعوة لتوسعة الآفاق والصدور، واستخدام التفاهم أسلوباً في التعامل بشكل عام، لأجل قبول الآخر، ليس لشيء سوى إظهار الحق لا غيره، ولأجل الوصول إلى حياة هادئة خالية من التوترات والمنغصات، التي أضحت وأمست تتكاثر كل حين حولنا، وإن هذا التفاهم أراه ليس إلا نوعاً من الحكمة، التي قلما تجدها في الناس. اليوم 

                                              إنها إذن دعوة للحكمة، التي هي ضالة المؤمن، أنّى وجدها أخذ بها. 

الأحد، 12 فبراير 2017

متى يتفرعن الإنسان ؟

  في معاجم اللغة، يتفرعن المرء إذا تمكن وتجبّر، فيصير فرعوناً. والفرعون صار لقب يطلق على كل متكبر جبار عات. وما انتشر اللقب إلا من بعد أن جاء ذكر فرعون في القرآن، وقصص جبروته وظلمه وتكبره على الناس، حتى أتاه اليقين وهو يصارع الماء.

   قد نقرأ كثيراً في سيرة هذا الشخص، سواء في القرآن أو كتب التاريخ. وربما يستغرب البعض للطريقة التي كان يعامل فرعون بها الناس، ولماذا اختار طريقته تلك في إدارة البلاد والعباد، حيث القهر والتجبر، وصولاً إلى الزعم أو الرغبة في أن ينظر الناس إليه على أنه ربهم الأعلى، وليس ملكاً أو حاكماً فقط.

   بالنظر إلى نفسية فرعون وهو يدّعي الربوبية، فربما تفسيره أن مساً من الجنون أو لوثة عقلية أصابته، فدعته إلى الزعم والادعاء بأنه رب مستحق لأن يعبده الناس، من بعد أن رأى مملكته الواسعة العامرة بالخيرات، مستمرة في التوسع، وقدرته على التحكم والتصرف في مياه نهر النيل بطريقة ما، ومن بعد أن رأى الجميع يأتمر بأمره.. حتى وصلت به القناعات لادعاء الربوبية.. ( ونادى فرعونُ في قوْمه قال يا قوم ألَيس لي مُلكُ مصر وهذه الأَنهارُ تجْري من تحتي أَفلا تبصرون ).

   أي إنسان منا عنده القابلية لأن يكون فرعوناً بدرجة وأخرى، لأن ما يدعو الإنسان لسلوك هذا المسلك، والتصرف بالطريقة التي كان عليها فرعون، إنما لمجموعة عوامل، إن توفرت كلها لدى الإنسان، فهو قاب قوسين أو أدنى من أن يكون فرعوناً، وإن لم يصل إلى حد ادعاء الربوبية.

   أهم تلك العوامل هي وفرة المال واستمرارها، وما ينتج عن تلك الوفرة المستمرة من حيازة صلاحيات واسعة، مع بطانة سوء مستفيدة تزين الأمور والحاجيات، كعامل ثان. مع ضعف شديد في الإيمان بالله كعامل ثالث آخر مهم.. كلها لو اجتمعت في شخص ما، فهو مشروع فرعون جديد، سواء كان على شكل زعيم سياسي، أو قائد عسكري أو رئيس إداري، أو وزير أو مدير أو غيرهم، وصولاً إلى أصغر المجتمعات وهو البيت، ليكون الفرعون على شكل أب أو أم..

فلينتبه أي إنسان منا اجتمعت عنده العوامل الثلاثة المذكورة وتعمقت، لأنه باجتماع تلك العوامل في خطر عظيم، لا يحتاج لكثير شروحات وتفصيلات.

   

الخميس، 9 فبراير 2017

المطلقة.. حياة جديدة


  المرأة المطلقة في كثير من المجتمعات العربية، صورتها الذهنية مشوشة وغاية في السلبية، وقد لعبت وسائل الإعلام العربية، لاسيما المرئية منها، دوراً في تثبيت تلك الصورة القاتمة بالأذهان. إلا أن الوضع في موريتانيا مختلف تماماً !

 حين تسمع الزغاريد في موريتانيا، خاصة في القرى والأرياف ومناطق البدو، فلا يذهب ظنك بعيداً وتعتقد بأنها صادرة عن احتفال زواج قائم أو سيقوم قريباً، إذ أنها تدل كذلك على أن طلاقاً قد وقع حالاً، وليعلم بذلك القاصي والداني، أن فلانة تطلقت وعلى استعداد لتجربة زواج جديد.. وبحسب الموريتانيين، المرأة المطلقة مرغوبة أكثر من الرجال، لاسيما إن كانت بلا أطفال، باعتبار أنها صاحبة تجربة وخبرة، وأنها ما تطلقت إلا لأن الزوج السابق لم يكن جديراً بها، وبالتالي تتطلع هذه المطلقة إلى رجل جدير بها، يعرف قدرها، وما الزغاريد والاحتفالات التي تزيد بعد انقضاء عدتها، إلا لمزيد من الإغاظة للزوج السابق، وأن مطلقته عما قريب ستكون في ذمة رجل آخر، فربما يراجعها، إن هي وافقت، أو تكمل المرأة حياتها وتدخل في زواج جديد.

   ليس الحديث عن عادات الزواج والطلاق في موريتانيا الشقيقة، ولكن أردت بذلك الدخول الى هذا الأمر الذي أساء الإعلام كثيراً إليه. فالطلاق لم ولن يكون أبداً عاراً وسوءة في جبين المرأة. بل إن هذا التشريع الإلهي هو حل رباني للنفوس البشرية التي تتآلف مع نفوس معينة وتتناكر وتختلف مع نفوس أخرى.

   الزواج بادئ ذي بدء، هو حياة جديدة لرجل وامرأة، يلتقيان بطريقة معينة. وقد يحدث التوافق والتآلف فيستمر الزواج، وربما لا يقع هذا التآلف لأسباب كثيرة، وبالتالي يحدث التنافر. وليس من الشرع ولا المنطق أن يستمر هذا العذاب تحت سقف واحد، والأفضل هو محاولة حل الإشكالات قدر المستطاع أولاً، فإن نفعت كان بها، وإلا فالفراقُ والانفصال، ويذهب كل أحد لحال سبيله، ويدخل تجربة جديدة. 

   دور المجتمع المهم ها هنا، هو معاونة كل طرف على إنجاح التجربة له أو لها، وليس فتح المجال لإلقاء اللوم والعتاب على طرف أو كليهما، لاسيما المطلقة.. ولنا في زواج الصحابية زينب بنت جحش بالصحابي زيد بن حارثة، خير مثال ودرس على أن الزواج يقوم على التآلف والمودة والتفاهم، وحين تغيب تلك العوامل كلها أو بعضها، فالمنطق ها هنا هو الانفصال، وليبارك الله في حياة كل طرف بعد ذلك، ويستفيد كل منهما الخبرة مما كان ومضى. 

الأربعاء، 8 فبراير 2017

لا تكوني حمّالة للحطب


   

  أم جميل، التي عرفناها زوجة لزعيم الأشقياء أبي لهب، عم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، كانت هي وزوجها من أشد الذين تفرغوا وتفننوا في إيذاء خير البشر. فقد كانت هي وزوجها نموذجاً لجار السوء، ونموذجاً للرحم القريب لكن بقلوب مليئة بالغل والكراهية.

   رفعت شعار العداوة منذ بداية الدعوة، وكانت تمر في طرقات مكة تنادي بعبارات أوحت شياطينها لها، تدعو إلى كراهية النبي محمد، الذي أطلقت هي وزوجها عليه بالمذمم بدل محمد.. فكانت ترفع عقيرتها قائلة:" مذمماً أبينا، ودينه قلينا – أي أبغضناه – وأمره عصينا ".

    كانت الشقية زوج الشقي، تحتطب من شجر معين معروف بالجزيرة يسمى المسد، فكانت تربط الحطب بحبل مصنوع من ذات الشجرة، وتذهب بحملها لتنثره في طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى بعثرة الشوك في طريقه.. وقد أقسمت حمالة الحطب هذه أن تنفق ثمن قلادة من المجوهرات الثمينة كانت تلبسها في جيدها أو عنقها، في حملتها العدائية على النبي الكريم، فعاقبها الله عاجلاً بسورة " المسد " المعروفة، لتُقرأ على مسامعها فترى مستقبلها الأخروي المخزي، حين يتم ربطها بحبل من مسد في عنقها بدل قلادة المجوهرات تلك، وتتعذب في النار مع زوجها الى ما شاء الله.

  إن حمالات الحطب في هذه الدنيا كُثر. والمرأة التي يفرغ قلبها من الإيمان ويقسو ويمتلأ غلاً وحسداً وعداوة لأي سبب من الأسباب، يمكن أن تكون سبباً رئيسياً لتمزيق استقرارها ومن يعيش معها وحولها.

  المرأة عندها من القدرات أن تبني، مثلما القدرة ذاتها أو أشد في أن تهدم. عندها المقدرة والمهارة على إضفاء أجواء من الاستقرار والسلام على محيطها، أو تحويله إلى نار ذات لهب. وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين أوصى الشباب للظفر بذات الدين. لماذا؟ لأن التي تفهم الدين صحيحاً دون شوائب، ويتمكن الإيمان من قلبها، ستتحول بقدرة الله إلى نعمة موجبة للشكر. ولو عكست الأمر فإنها تلقائياً تتحول إلى حمالة للحطب، تحرق كل من معها وحولها، وبئست النوعية تلك.    
      

الثلاثاء، 7 فبراير 2017

إسلام الألمانيات


  باحثة ألمانية تدعى "ماريا إليزابيث باومان" ذكرت في كتاب لها صدر قبل سنوات قليلة بعنوان: طرق النساء المؤدية إلى الإسلام، بأن قرابة 250 إلى 300 ألمانية تعتنق الإسلام كل عام.. القصة ذاتها تتكرر في كثير من أقطار العالم، لاسيما المتقدم منه، فتجد أن الداخلين الى الإسلام، أغلبهم من طبقات مثقفة وذات وضع اجتماعي واقتصادي جيد غير بائس، الأمر الذي أثار كثيراً من الباحثين والدارسين في الغرب، وجعلهم يتتبعون الأسباب التي تؤدي بفئات مثقفة واعية لتغيير دينها أو معتقدها، والدخول في أكثر دين يواجه حملات تشويه في العالم!
  
   واحدة من الإجابات المبهرة التي طُرحت من قبل الألمانيات، وسبب دخولهن الإسلام دون سائر الأديان الأخرى المعروفة في العالم حالياً، هي أن الرغبة في تغيير نمط حياتهن من خلال بناء نظام أخلاقي جديد، أحد الأسباب الرئيسية لاعتناق الإسلام، فيما عبّرت أخريات بأن سبب التحول للإسلام هو الرغبة في هجرة رمزية، بحثاً عن انتماء مغاير بعيداً عن الوطن والعرق الألماني، والذي وجدوه واضحاً في الإسلام.
  
   هذا الأمر يذكرنا بما كان عليه الصحابي الجليل سلمان الفارسي قبل ظهور الإسلام، وقصة الهجرة والبحث عن انتماء جديد يجد نفسه فيه.. فقد كان أبوه أحد الدهاقنة في مملكة كسرى، المسؤولين على إبقاء جذوة النار متقدة في معابد المجوس، عبدة النار. وقد حرص أبوه على أن يكون ولده وارثه في هذا الأمر، وهو ما لم يعجب سلمان، الذي ظل يبحث عن عقيدة أخرى تطمئن إليه نفسه. فظل متنقلاً من مدينة إلى أخرى، ومن دين الى دين.. فتحول من المجوسية الى النصرانية ثم اليهودية، حتى سمع من أحد الرهبان بأن وقت خروج نبي آخر الزمان قد أزف، فانتظر سلمان الفارسي سنوات حتى مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يثرب، ووجد أخيراً الدين الذي بحث عنه طويلاً، فاستقرت نفسه وصار من شخصيات هذا الدين العظيم. 
   
  ما يحدث اليوم في الولايات المتحدة، دفع بالآلاف للبحث عن سر هذا العداء المفتعل ضد هذا الدين. وإني لأحسبُ السحر بدأ ينقلب على الساحر، أو كاد أن يكون كذلك. ويبدو أن الأمريكان على خطى الألمان سائرون باحثون عما تطمئن إليه نفوسهم، كما كان مع سلمان وغيره كثير، وسيجدونه في الإسلام بإذن الله.. 
والله متمٌ نوره ولو كره الكافرون.