أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الخميس، 16 أبريل 2020

كورونا ومحاولة لفهم القصة من جديد


   
لاحظ معي الأخبار التالية التي كانت تُنشر أواخر يناير الماضي، حين بدأ العالم يقرأ ويسمع الأخبار القادمة من الصين عن ظهور فيروس مستجد من عائلة كورونا، بدأ ينتشر في مدينة ووهان الصينية التي تقع في مقاطعة هوباي..
خذ بعض الأمثلة قبل أن نستعرض الأمور:
   لنبدأ بالصين والدول القريبة منها. فقد قالت الأخبار حينها بأن السلطات الصينية تأكد لديها إصابة 7700 شخص، توفي منهم 170 شخصاً معظمهم من ووهان، بؤرة المرض، وتم تسجيل 10 حالات في هونغ كونغ التي تتمتع بحكم ذاتي، غالبيتهم كانوا قد زاروا ووهان مؤخراً، فيما سُجلت 7 حالات في ماكاو التي يتردد عليها بكثرة زوار من الصين.
   في تايلند، الوجهة المفضلة للسياح الصينيين، أعلنت السلطات وجود 14 حالة مؤكدة. وكانت أكثر بلد فيه إصابات بعد الصين (أواخر يناير). وكان المصابون صينيين باستثناء عجوز تايلندية في السبعينات، لكنها كانت قد وصلت من ووهان خلال ذاك الشهر. أما تايوان التي حذرت منظمة الصحة العالمية مبكراً بالفيروس وخطره وسرعة انتشاره، فقد سجلت 8 إصابات آخرها لصينيين وصلا الجزيرة يوم 22 يناير مع مجموعة سياح. وفي سنغافورة أكدت السلطات إصابة 10 أشخاص بالفيروس، وصل جميعهم من ووهان أيضاً. وفي اليابان سجلت 11 إصابة، بينها إصابتان نقلتا عن طريق العدوى المباشرة من شخص لآخر على الأراضي اليابانية. والمصابان كان أحدهما سائق في الستين من العمر قاد حافلة تحمل سياحاً قدموا من ووهان في وقت سابق من يناير، والآخر امرأة تعمل مرشدة سياحية كانت على متن الحافلة.
  نبتعد قليلاً عن الصين، لنجد الهند تعلن عن تسجيل أول إصابة في ولاية كيرالا جنوبي البلاد، وهي لطالب كان يدرس في جامعة ووهان، وفي الفلبين تم الإعلان عن تسجيل أول إصابة لامرأة في أواخر الثلاثينات من العمر، كانت قد وصلت منتصف يناير من ووهان، ونقلت إلى المستشفى بعد أربعة أيام. وفي ماليزيا سجلت إصابة ثامنة لرجل صيني. تضاف إلى 7 إصابات، جميعها لسياح صينيين من ووهان كانوا يقضون العطلة في ماليزيا. والسيناريو يتكرر في كوريا الجنوبية التي تم تسجيل 4 حالات فيها، بينهم ثلاثة صينيين وكوري جنوبي، قدموا جميعهم من ووهان.
   لنغادر آسيا ونصل إلى الولايات المتحدة، التي أكدت السلطات 5 إصابات لأشخاص سافروا جميعا مباشرة إلى ووهان. وفي جارتها كندا تم الإعلان عن أول إصابة لرجل كان قد عاد من ووهان إلى تورونتو، وقالت الأخبار حينها أنه ربما نقل العدوى إلى زوجته. أما في فرنسا فقد تم تأكيد 5 إصابات بالفيروس، منها 3 إصابات، إحداها في مدينة بوردو والأخريان في باريس. وكان الثلاثة قد سافروا إلى الصين في الأيام الأخيرة..

   تلكم كانت مقتطفات لأخبار نشرت في بدايات ومنتصف يناير الفائت حول بدء تفشي الفيروس هنا وهناك في العالم. أخذنا بعضها من دول قريبة من الصين وأخرى بعيدة، لنخرج من جملة تلك الأخبار بملاحظة أراها مهمة في أي محاولة لفهم قصة انتشار الفيروس حول العالم في غضون شهرين من الزمن، وتحديداً خلال فبراير ومارس الفائتين. تلكم الملاحظة متمثلة في الإصابات التي بداية، كانت كلها إما لسواح صينيين دخلوا أقطاراً مختلفة، أو لمواطني بلدان كانوا في الصين لسبب من الأسباب وتحديداً في مدينة وهان، بؤرة المرض، ولم تكن منظمة الصحة العالمية قد حذرت بعد، دول العالم إلا في نهاية يناير حين أعلنت للعالم عن حالة طوارئ لابد منها لمواجهة الفيروس، بعد اكتشاف حوالي 100 إصابة خارج الصين، ولكنها لم تعلن أنها جائحة.
الحالة الإيطالية والإيرانية جرس إنذار
الظهور والصعود الفجائي لأعداد المصابين في كل من إيطاليا وإيران وكوريا الجنوبية بعد الصين، أثار الانتباه العالمي الذي كان بعدُ في طور مراقبة وملاحظة المرض في الصين وسرعة انتشاره، فلم يكن بمقدور العالم سرعة تحليل الحالة الصينية، بل لم يكد ينتهي من معرفة أصل الفيروس وبداية انتشاره هناك، حتى أثارت الحالة الإيطالية والإيرانية الانتباه، وخاصة إيطاليا التي أرعبت سرعة تفشي الفيروس فيها العالم كله، وبدأت أنظار دول العالم تتجه بعدها إلى الداخل، أو إلى نفسها، وكيفية الاستعداد والتصدي للفيروس، بدلاً من معرفة سبب ظهوره في الصين.
وهكذا بدأت دول العالم بالانشغال الذاتي، أو نفسي نفسي بادئ ذي بدء، قبل أن تمد يد العون لغيرها من القريب أو البعيد. حيث أذهلت الجميع سرعة تفشي الفيروس في أوروبا تحديداً وأثارت التساؤلات، وكانت ذروة تلك التساؤلات حين لاحظ العالم سرعة تحرك الولايات المتحدة في قائمة الدول التي ظهر كورونا فيها، حتى سبقت الجميع بما فيها الصين، التي كانت الأولى لأكثر من شهرين ونصف الشهر، فصارت الولايات المتحدة هي الأولى وبفارق شاسع وكبير عنها.

   الآن وقد صار الإعلان عن أرقام الإصابات والوفيات في كل دول العالم أمراً روتينياً، بدأت الأنظار تتجه أولاً إلى من بإمكانه انتاج المصل أو العلاج المناسب لهذا المرض، باعتبار أن الأولوية الآن هو البحث عن العلاج قبل بحث الأسباب أو توجيه الاتهامات، فلكل مقام مقال، ولكن في الوقت نفسه تتجه الأنظار نفسها تارة أخرى نحو الصين، من أجل فهم أدق وأعمق لهذا الفيروس وكيف انتشر، وما الذي كان يجب فعله ولم يتم. ولعل هذا هو السؤال الرئيسي الذي بدأت دول عديدة توجهها للصين، ولماذا تكتمت على الأمر منذ البداية ولم تنبه العالم لخطره واحتمالية انتشاره، ولماذا لم تتحرك جدياً وبالسرعة المطلوبة لعزل مدينة ووهان، بؤرة المرض، إلا بعد مضي من الوقت كان كفيلاً لأن ينتشر الفيروس حول العالم عبر عشرات الآلاف من السواح الصينيين أو الأجانب القاطنين في ووهان، سواء كانوا للدراسة أو التجارة أو حتى السياحة. ولماذا في الوقت نفسه أيضاً لم تتحرك منظمة الصحة العالمية سريعاً، مستفيدة من تجربتها السابقة مع انفلونزا الخنازير عام 2009 أو سابقاتها من الأوبئة والجائحات؟
الصين أم منظمة الصحة العالمية ؟ 
أصابع الاتهام إذن بدأت تكثر تجاه الصين وتراخيها في التعامل مع المرض أولاً، ومن ثم ابلاغ العالم به ثانياً، وكذلك الأصابع تلك بدأت توجه للمنظمة الأممية المسؤولة عن الصحة العالمية. فلقد أوقف انتشار هذا الفيروس أغلب مناشط الحياة في العالم كله، وبدأت الدول تتنبه إلى المشكلات وربما الكوارث القادمة بعد قليل، لاسيما في المجال الاقتصادي. ومن يجب أن يتحمل مسؤولية هذا الذنب أو هذه الجريرة. هل الصين أم منظمة الصحة العالمية؟
  
الولايات المتحدة والفيروس يفتك بها بصورة رهيبة دون غيرها من الدول، أعلنت مؤخراً على لسان رئيسها دونالد ترامب أنها ستوقف الدعم السنوي للمنظمة البالغ قيمته 400 مليون دولار، بسبب سوء إدارتها لأزمة كورونا، وأن العالم تلقّى الكثير من المعلومات الخاطئة حول انتقال العدوى والوفيات الناجمة عن المرض، وأن تصرفات منظمة الصحة العالمية أدت إلى إهدار أرواح بشرية، بحسب المتحدث باسم الخارجية الأميركية، الذي أضاف أن المنظمة تأخرت في إدراك خطورة الأزمة، ولم تعلن أن كورونا المستجد وباء عالمي إلا يوم 11 مارس الماضي، في حين أن الصين أبلغتها بتفشي الفيروس في ديسمبر 2019  ، والسبب الذي دعا المنظمة إلى عدم تقاسم معلومات تايوان مع الأوساط الصحية العالمية، ومشيراً في الوقت ذاته إلى إعلان منظمة الصحة منتصف يناير الماضي، أنه لا أدلة على انتقال العدوى بفيروس كورونا بين البشر، ما ساهم في نوع من التراخي في العالم، وعدم الخشية من هذا الفيروس الذي تحول إلى جائحة وباعتراف المنظمة الأممية، ولكن بعد فوات الكثير من الأوان!

   هل سيهدأ العالم بعد أن تسيطر كل دوله على تفشي المرض، وهل سيتم غض الطرف، رغبة أو رهبة، عن الصين ومسؤوليتها في انتشار المرض، وأنه كان بالإمكان تحجيمه منذ البداية؟ وكيف ستكون نظرة العالم أيضاً لأداء منظمة الصحة العالمية في هذه الأزمة أو الكارثة العالمية إن صح وجاز لنا التعبير؟
   الأسئلة تتقاطر وتتكاثر كلما طال أمد هذا المرض، وكلما ازدادت الضغوط على الشعوب المحجور عليها في المدن والقرى، وما يمكن أن ينتج عن تلك الضغوط من عواقب، سواء على حياتها بشكل عام أو على النظم الحاكمة في كل دولة..
الأمر بحاجة لمزيد رصد ومزيد ترقب وبعض استشراف، أرجو أن يكون فيه بعض أمل وتفاؤل بانفراجة قريبة ووضع عالمي أفضل.
         

ليست هناك تعليقات: