أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الأربعاء، 11 سبتمبر 2019

كيف تتعامل مع موظف كثير الأعذار ؟


   
 
  هي من العادات غير المحبذة عند أي مدير أو مسؤول. ولو بحثت يمنة أو يسرة في موقع عملك، لوجدت نوعية، سأتحدث عنها بعد قليل، من موظفين وعاملين، وستدرك كم الانزعاج والتذمر الصادر من المدير أو المسؤول في موقع عملك بسبب تصرفاتهم.

لنصطلح بادئ ذي بدء على تسمية هذا الفعل غير الإيجابي ولا الحضاري بـ ( فن خلق الأعذار ). هذا فعل يمكن إدراجه بشكل أوسع ضمن ثقافة الأعذار، التي لو بدأت بالانتشار في أي مؤسسة عمل، فاعلم من فورك أن روحاً من اللامبالاة والتنصل من المسؤوليات قد بدأت تنتشر هنا وهناك في أرجاء المؤسسة.
  الأصل في أداء العمل أن يقوم أحدنا به على أكمل وجه حين يُطلب منه، سواء كان في بيته أو مكتبه أو ناديه أو أي موقع يتعايش فيه البشر معاً، يعملون لأجل بعضهم البعض. ولكن حين يأتي هذا المكلف بأداء العمل ليبث لك عذراً تلو الآخر بسبب عدم إنجازه العمل المطلوب على الوجه المكلف به وفي الوقت المحدد، فإنه يعني عدم جديته وعدم إخلاصه وعدم تفانيه في أداء المطلوب. وربما أحياناً هناك أسباب أخرى، ولكن قلما تكون هناك أسباب غير التي ذكرناها، والمديرون يدركون هذا تماما..
حتى تتضح الصورة أكثر فأكثر، حاول أن تتصور معي هذا المشهد..
يطلب منك مديرك مثلاً أداء عمل ما ليكون جاهزاً بعد مضي وقت محدد يتفق هو معك، فتقبل منه وتستلم الأمر وتبدأ العمل بشكل ما.. ثم يأتي يوم الوفاء وعـرض العمل كما طُلب منك، فتجد أنه لم يتم بعد لأي سبب من الأسباب، فتعتقد حينها أنك تحتاج لوقت أطول أو بعض مساعدة.. فماذا تفعل حينها؟
بكل تأكيد ستبدأ في التبرير وإيجاد العذر أو الاثنين والثلاث للخروج من حرج الموقف مع مديرك. ستجد نفسك إما أن تماطل في تسليم المطلوب، أو أن تلقي باللوم على الآخرين، أو أن يكون للوسائل والتقنيات والأجهزة الإلكترونية نصيب من ذاك اللوم، وربما تتمادى لتجد لك عذراً تلصقه بالوقت أو الطقس أو البيت أو العيال أو السيارة، إلى آخر قائمة طويلة من الأعذار..
·        لماذا يضع أحدنا نفسه في مثل هذه المواقف المحرجة؟
·        لماذا، بدلاً من كل هذا الجهد في اختلاق الأعذار- العذر تلو الآخر- 
         لا يعمل بجدية في أي عمل يقوم به؟ 

الإجابة بكل وضوح كامنة في الآتي:
إن غياب الجدية في أداء العمل سببه ضعف أو غياب المتابعة ومن ثم العاقبة الصارمة، وهذان عاملان مهمان لشيوع ثقافة الأعذار في أي موقع أو أي مكان.. كيف؟
   أنت كموظف، لم تكن لتتكاسل في أداء عملك لولا معرفتك وخبرتك السابقة، أن الأمر ليس بتلك الأهمية لتجهد نفسك في أداء المطلوب أولاً، ومن ثم ليست هناك متابعة دقيقة من مديرك مثلاً حتى تهتم به ثانياً، وأخيراً تدرك أنه ليست هناك جزاءات رادعة تخيفك من أي تكاسل. وبالطبع هذا التكاسل ليس بالضرورة أن يكون عند أي أحد، بل في فئة من الموظفين تكون عندها قابلية التكاسل واختلاق الأعذار، سواء لأسباب نفسية أو ربما بسبب عقد قديمة كامنة فيها، وبدلاً من العمل بجدية وإخلاص وأمانة، تجد أحدهم يفكر ويبذل الجهد في إيجاد الأعذار الملائمة لكل مناسبة ! هكذا حالهم في غالب الأوقات والأعمال والمهمات.

كيف ينظر المديرون للمشكلة ؟
 قد ينظر المديرون إلى هذه المشكلة في البداية على أنها هامشية ولا تستأهل ذاك الاهتمام، بل ربما يحدث ابتداءً نوع من التعاطف مع الموظف حين يأتي بعذر ما، واعتبار ذاك العذر سبباً لعدم إنجاز العمل، ويتم بناء على ذلك إحسان الظن به.. لكن هل تسلم الجرّة كل مرة؟ يبدو نعم في بعض المؤسسات وعند بعض مختلقي الأعذار !
  إنّ تقديم أو اختلاق العذر – إن أردنا فهم وتحليل العملية - سنجد أنها نوع من الحماية الذاتية يقوم بها الشخص حينما يجد حاجة إلى حماية نفسه من اللوم والتقريع والإهانة وغيرها مما يمكن أن يلقاه، حالما يعجز عن تقديم عمله بحسب ما طُلب منه في الوقت المحدد.. والإنسان منا - أي إنسان - لديه قدرة هائلة على صناعة واختلاق الأعذار، كنوع من أنواع الحماية. ولو أن هذا البارع في اختلاق الأعذار، استخدم تلك القدرة في إنجاز أعماله بدلاً من صناعة الأعذار لكانت الأمور على غير الشاكلة التي عليها الآن كثير من مواقع العم المختلفة..
   إذن لا بد لك وأنت المدير أو المسؤول، أن تتنبه إلى مشكلة الأعذار التي يقدمها الموظفون. ولكن كيلا تكون فظاً غليظ القلب منذ البداية، فإنه لا مانع من قبول العذر الأول مع أهمية توجيه الموظف إلى عدم تكراره، وبالطبع لا بد أن يكون العذر معقولاً ومنطقياً، وإن كان ليس مطلوباً منك أيضاً كمدير، أن تتحول الى ضابط بحث وتحريات تتعمق وتبحث عن صدق أو زيف العذر. لا، ليس هذا من مهامك، لأنه إن فعلت، أصابك الجهد والإنهاك. ولكن بدلاً من ذلك كله، ابعث رسالة واضحة للموظف إلى أنك تقبل العذر، ليس لقوة عذره وحجته، بل لأنك تعطيه الفرصة للمرة الثانية أن يجيد ويتقن عمله، وإلا فالعاقبة القادمة لن تكون محبذة محمودة.

زبدة الحديث
هذه رسالة مختصرة جداً لكل مدير أو مسؤول مؤتمن على عمل ما :
 ابذل جهدك ألا تنتشر ثقافة الأعذار في مؤسستك أو شركتك أو دائرتك، بل حاول - بدلاً منها - نشر ثقافة العمل الجاد المخلص المبدع، وثقافة تقدير الوقت واحترامه.. ثم تخلص أيها المدير من مشكلة الأعذار عند بعض العاملين معك، وادفعها وأصحابها لخارج أسوار عملك بشكل وآخر، قبل أن تكون أنت بنفسك خارج تلك الأسوار.
 القرار بيدك الآن وقبل فوات الأوان.               

ليست هناك تعليقات: