أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الأربعاء، 7 سبتمبر 2016

نفسي نفسي ..

  في الدنيا، وحين النوازل والمصائب - سلمنا الله وإياكم منها جميعاً - نجد المرء منا إن رأى مصيبة قد حلت بأحد أهله أو أقرب المقربين منه على سبيل المثال، يردد مقولات وعبارات مألوفة، كأن يقول له أو لها، سأفديك بنفسي، إن كان الفداء يفيد في إبعاد المصيبة أو الكارثة عنك.. موقف إنساني فطري مفهوم ومقبول.

   الأب قد يفدي بنفسه لأجل حياة كريمة عزيزة لأبنائه، والأم بالمثل وزيادة. لكن ما بال الأمر يتغير تماماً يوم القيامة؟ بالطبع الوضع يومئذ سيكون صعباً قاسياً، إلى الدرجة التي يتحول أي إنسان يومها، إلى كتلة متحركة أو جامدة من الأنانية، وفي أبشع صورها. نفسي نفسي ولا أحد غيري.

  اقرأ إن شئت ( يود المجرمُ لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه. وصاحبتهِ وأخيه. وفصيلتهِ التي تؤويه. ومن في الأرضِ جميعاً ثم يُنجيه ). سيأتي المجرم بعد أن يرى من المصاعب والمشاق والأهوال يومها، ليطلب الفداء، ويبدأ بأحب أحبابه. إنه لن يمانع أبداً يومها أن يؤخذ بالأحب فالأحب والأقرب فالأقرب من أهله وعشيرته. لن يمانع أن يؤخذ بأحد أبنائه أو جميعهم إلى العذاب، مقابل إطلاق سراحه هو!  ولن يمانع الأمر أن يتكرر مع زوجته وصاحبته وحبيبته في الدنيا، بل سينسى حتى إخوته!


  العجيب في الآية الكريمة أن هذا المجرم سينسى والديه تماماً. سيتذكر الجميع. الأبناء والزوجات والأخوة والأرحام والأقارب، بل القبيلة كلها وجميع الأصدقاء. لكنه لن يتذكر أبويه، وربما يُخرس الله لسانه يومها ويعطل عقله فلا يتذكرهما.. وفي ذلك إشارة رائعة لطيفة إلى عِظَم مكانة الأبوين، اللذين يأمرنا الخالق بالإحسان إليهما والبر بهما، فلا يمكن حين تشتد المواقف، أن يقوم الابن بالتضحية بهما وإنقاذ نفسه بمن كانا سبباً في وجوده.

  لا يمكن أبداً أن تحدث هذه الإساءة إليهما مطلقاً. لماذا؟ لأنه سبحانه يأمرنا بالبر والإحسان بالوالدين في الدنيا، فلا يمكن أبداً أن يسمح لنفوسنا أن توحي، وقت الشدائد والمصائب، بالتفكير في القيام بعمل النقيض معهما. إنهما أعلى منزلة وأجل قدراً من مجرد التفكير بإلحاق السوء بهما. ومن هنا ترى المجرم يتذكر كل أحبابه وقت مصيبته، إلا والديه، حيث سيعمي الله بصره وبصيرته عنهما يومئذ.

    هذه دعوة نكتبها إلى من أساءوا لأبويهم أيما إساءة، وألحقوا بهم ظلماً وإهانة، التفكر بالغد. ونكتب كذلك للبارين بوالديهم، تعزيزاً لأفعالهم، فعسى الله أن يجعلنا وإياكم من البارين بوالدينا، وممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.    

ليست هناك تعليقات: