أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الأحد، 5 يونيو 2016

الخير وقد أقبل

 

  من الخبرات الحياتية التي يتعلم منها المرء كلما تقدم به العمر، أن الفرصة التي تأتيك في لحظة زمنية معينة، ربما لا تأتيك تارة أخرى بنفس الكيفية والظروف التي أتتك في المرة الأولى، وبموجب ذاك المنطق، يوصي المجربون والحكماء بانتهاز الفرصة من فورها واستثمارها أفضل استثمار. وضمن سياق الفرص، يمكن القول بأن رمضان هو أحد الفرص أو المنح الربانية التي يكرم الله بها عباده، وأن الحكيم الحصيف والذكي الفطن هو من ينتهز فرصة صحته وقوته حالما يرزقه الله بلوغ رمضان.

   
    هذا الشهر إنما أيام معدودات، فما إن يبدأ حتى يبدأ عداد الرحيل بالاشتغال. إن انتهى اليوم الأول منه فلن يرجع إلا بعد عام كامل، وهذا أمر بدهي معروف لا يحتاج لتذكير وتنويه، لكن ما يحتاج للتنويه والتذكير هو أنه لا أحد يضمن لك الحياة أو الصحة والعافية والقوة لأن تلتقي باليوم الأول من رمضان العام القادم بعد أكثر من ثلاثمائة وستين يوماً. ولكن بما أنك تقرأ هذا الحديث، ونحن في غرة الشهر الكريم، فأنت من المحظوظين الذين أكرمهم الله ببلوغ الشهر الفضيل، وهي بذلك فرصة لانتهاز كل لحظاته بما يعود عليك بالخير والصلاح.

    
  مع أول أيام الشهر الفضيل الكريم، فإن أول عمل لكل من وفقه الله وبلغ هذا اليوم بصحة وعافية وقوة، أن يسجد لله شكراً. فقد دعا كثيرون الله أن يبلغهم الشهر لكن الآجال أو الأقدار كانت أسرع، فهذا توفاه الله وذاك فقد عافيته. فاللهم أتمم الخير على من بلغ الشهر. هذه نقطة أولى. 
   
  النقطة الثانية تدور حول النية، التي هي أساس أي عمل صحيح ومقبول، وأحسبُ أن الجميع قد نوى صوم الشهر كما ينبغي دون شك، وعقد العزم على تصفية ولو مؤقتة ، كل ما بالنفس والذهن من متعلقات دنيوية من تلك التي لا تنتهي حتى ينتهي الإنسان، ومن ثم اعتبر كل واحد منا أن رمضان هذا العام فرصة ذهبية ربانية قد أتته، والتي رغم أنها مكررة كل عام، إلا أن احتمالية ألا تتكرر مع أي أحد منا كبيرة، للاعتبارات التي ذكرناها قبل قليل وهي الموت أو فقدان العافية، وبالتالي تتطلب الحكمة عند كل أحد منا ، استثمار كل لحظات رمضان فيما يعود على النفس بالفائدة والمنفعة في الحياة الأخرى الحقيقية.

   أجدُ في سياق الحديث عن بداية رمضان، ومثلما تقوم وسائل الإعلام هذه الأيام بالترويج لجوائزها ومسابقاتها وبقية أعمالها، أن يقوم كل أحد منا بالمثل مع أهله وأحبابه ويبشرهم ويحببهم للخير العميمم الذي يكون في رمضان، ويروّج للجوائز الحقيقية فيه والمسابقات المربحة في أيامه ولياليه، إذ يكفي أحدنا وهو يقرأ " الصيام لي وأنا أجزي به "، أن يدرك حجم الجائزة المخفية للصائمين، إضافة إلى جائزة أخرى معلومة لا تُقدر بثمن، نجدها في قوله صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه" .. وهل هناك جائزة تعادل مغفرة الذنوب؟ بل قل: أي جوائز بشرية يقدمها البشر لك يمكنها أن تصرفك عن الجوائز الربانية؟
         
   اعتبر نفسك وقد كنت تنتظر رمضان، كمن ينتظر فرصة تجارية رابحة دون أدنى شك وبشهادة خبراء في التجارة والاستثمار، وأنها فرصة استثمارية قد لا تتكرر مرة أخرى لأي سبب من الأسباب، فهل بعد كل هذه المغريات يمكنك تجاهل تلك الفرصة والتلكؤ في الاستعداد لها؟ بحسب ظني أنه لا إنسان عاقلاً قد يتصرف كذلك، فما بالك لو علمت أن رمضان إنما تجارة مع الله، والربح مضمون، بل لا حدود لمكاسبك في هذه الفرصة الاستثمارية؟
القرار لك.. 

ليست هناك تعليقات: