أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الجمعة، 14 فبراير 2014

من أجل المستقبل ..


   من روائع الحديث للشيخ عليالطنطاوي رحمه الله ، أنه وصف يوماً معركته في التفكير بالمستقبل ، فقال : درستُ الإبتدائي لأجل المستقبل ، ثم قالوا لي : ادرس المتوسط لأجل المستقبل ، ثم قالوا : ادرس الثانوي لأجل المستقبل ، ثم قالوا : ادرس الليساانس  أو الباكالوريوس لأجل المستقبل ، ثم قالوا : توظف لأجل المستقبل ، ثم قالوا : تزوج لأجل المستقبل ، ثم قالوا : انجب ذرية لأجل المستقبل .. وها أنا اليوم اكتب هذا المقال وعمري سبع وسبعون عاماً ولا زلت انتظر هذا المستقبل  !!   ثم يضيف الشيخ الطنطاوي ويقول : المستقبل ما هو إلا خرقة حمراء ، وُضعت على رأس ثور ، يلحق بها ولن يصلها ؛ لأن المستقبل إذا وصلتَ إليه أصبح حاضراً ، والحاضرُ يصبح ماضياً ، ثم تستقبل مستقبلاً جديداً .. إن المستقبل الحقيقي هو أن تُرضي الله ، وأن تنجوا من ناره ، وتدخُل جنته.

   بكلمات قليلة وصف الشيخ معاناة كثيرين منا ، حيث نلهث ونسابق الريح نحو مستقبل لم  نعرف ملامحه بعد ، ونظل ننشغل به ونهتم له ونقلق ، وهو بعدُ في علم الغيب لم يدخل حيز التنفيذ في الحياة  الدنيا ، وننسى ما هو أهم من المستقبل ، وهو الحاضر الذي نعيشه ونمتلكه أو نتحكم فيه بعض الوقت قبل أن يتحول إلى ماض لا يعود ولا نتحكم فيه ، كما المستقبل الذي لا نتحكم فيه ..

   ألا تقول العامة في أمثالها " عصفور باليد خير من عشرة على شجرة " ؟  هذا المثل للدلالة على أهمية الاهتمام بالحاضر ، فإن حاضرنا هو بمثابة العصفور الوحيد الذي باليد ، أما العشرة فوق الشجرة فأشبه بقضايا المستقبل التي لا ندري عنها كثيراً ولا ندري هل يمكن امتلاكها أو حتى الوصول إليها . 
خلاصة الحديث .. لا تحزن على ما فات ، ولا تهتم وتقلق لما هو آت ، وعش واستثمر ما أنت فيه وعليه قبل أن يتحول إلى ماض لا يعود ، فتحزن وتتحسر عليه ، فتعيش دوامة لا تنتهي بين ماض فائت ومستقبل غامض وحاضر مُغيّب ..