أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الثلاثاء، 1 يناير 2013

هل بدأ الربيع العراقي ليستمر ؟




    يبدو أن السيد نوري كامل محمد حسن المالكي  ، 62 عاماً ، رئيس وزراء العراق بعد ابراهيم الجعفري ،  لم يستفد من دروس التاريخ ، ولا أقول القديم ، بل الجديد الذي لم تجف أحبار كتابته بعد .. ثورات مصر وتونس وليبيا واليمن ، وعلى الجوار منه ، ثورة سوريا . كلها ثورات قامت لنفس السبب ، أو أن الباعث على قيامها كان مشتركاً . إنه الاستبداد بكل صوره .

    ما بين ليلة وضحاها ، احتشد عشرات الألوف في الأنبار منددين بقرارات تعسفية ضد وزير المالية العراقي رافع العيساوي ، حيث تم اعتقال أفراد من طاقم الحماية الخاصة به بتهم تتعلق بالإرهاب . ويبدو ان الجرة لا تسلم في كل مرة . إذ بعد مطاردة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي بتهم مشابهة ، والذي استطاع أن ينفذ بجلده قبل حبل المشنقة ، انتبه الشعب العراقي إلى أن المالكي يسير بخطى واضحة وثابتة نحو دولة قمعية جديدة ، يتم التخلص فيها من أي معارضة وخنق كل صوت يطالب بالحرية والعدالة وغيرها مما كانت شعوب دول الربيع العربي تعاني منها قبل قيام ثوراتها ، واستمرارها في تصحيح الأوضاع لحين من الزمن قد يطول أو يقصر بحسب ظروف ومتغيرات كل دولة .

   تتعاظم حركات الاحتجاج والمسيرات الشعبية التي ما زالت سلمية ضد المالكي وحكومته ، وبدأت المطالبات باسقاطه ، في مؤشر على أن الأمر ليس كما كان في 25 فبراير من العام الفائت 2011 ، حين قامت احتجاجات شعبية تندد بممارسات حكومة المالكي القمعية ولكن ما استمرت طويلاً لظروف مختلفة ، ربما المحيط العربي لم يكن بعد قادراً على الالتفات إلى ما يجري بالعراق مقارنة بأحداث جسام كانت تدور في ليبيا ومصر ، جذبت أنظار العالم وليس المحيط العربي فقط ، وهدأت تلك الانتفاضة .

    استمر نوري المالكي في سياساته ولم يستفد من فرصة توقف الانتفاضة التي كادت أن تتعاظم وتنفجر في وجهه ، ليراجع سياساته وأسلوب إدارته للعراق الذي بدا وضحاً تأثره الشديد بالخارج ، لا سيما من الولايات المتحدة وايران ..  وبدأ المالكي بتصفية خصومه السياسيين الذين يحظون بشعبية كبيرة في العراق بوسائل متنوعة ، لأجل تهيئة الأجواء للانتخابات البرلمانية القادمة التي يريدها وفق مقاس معين ، يخدمه البرلمان في تنفيذ سياساته ، ولا يقف أحد في وجهه ، فبدأ بالهاشمي والآن مع العيساوي وربما غيرهم ، ويلاحظ أنهم من أهل السنة العراقيين ، الأمر الذي يوحي أنه اجراء طائفي بغيض لا يتحمله العراق المنهوك ، منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003م ..

   تتسع دائرة الاحتجاجات والتظاهرات في العراق بشكل يومي ، الأمر الذي يشير إلى أن الربيع العراقي قد بدأ أسوة بدول الربيع العربي ، وربما الذي يشجع ذلك ، إضافة إلى سياسات رئيس الوزراء الحالي التي تحدثنا عن بعض ملامحها ، التقدم الفعلي على الأرض السورية للثوار السوريين ضد نظام بشار الأسد ، الأمر الذي يوحي بأن الربيع العراقي ما لم يتم التعامل معه بحكمة وسياسة ، دون خداع وتحايل، فإنه مرشح لأن يتحول من ربيع سلمي حتى الآن إلى ربيع مسلح لا يختلف عن الحاصل في سوريا ، وخاصة أن البنية اللازمة لثورة مسلحة في العراق موجودة ، باعتبار أن البلد منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 ، وأجواء القتال تسيطر على سمائه وإن بدت هادئة في بعض الفترات ..

   إذن نعود إلى السؤال أعلاه : هل بدأ الربيع العراقي ليستمر من أجل عراق جديد حر ، أم هو انتفاضة جديدة ضمن سلسلة انتفاضات عديدة على مدار سنوات عشرين مضت ، تنشط حيناً وتهدأ أو تُخمد بصورة وأخرى  حيناً آخر ؟

    المتوقع أن يحدث في العراق هو نفسه الذي حدث ووقع  في غالبية بلدان الربيع العربي .. الحكومة ستطالب بالحوار كسباً للوقت ، وستبدأ تهدد باللجوء إلى القوة بعد حين من الدهر قليل ، إلى أن تتشابك الخيوط ، ويهرع كل ذي مصلحة ، وخاصة أطراف الخارج ، للتدخل ومساندة من سيحقق له مصلحته ، وهكذا ستبدأ الأحداث تتسارع وتيرتها والتي لا نتمناها بالصورة السلبية ، فإن ما كابده الشعب العراقي منذ حرب الخليج الثانية عام 91 بسبب مغامرات صدام حسين في الكويت ، والى اليوم ، يجعلنا نسأل الله أن يجنب العراق فتنة جديدة ، ولكن سياسات المالكي لا تشجع على الاستقرار ، وخاصة ارتباط قراره بالخارج.

    ما زال الحديث عن ربيع عراقي شبيه بربيع دول الربيع ، أمراً مبكراً بعض الشيء ، فقد اعتاد الجمهور العربي على متابعة انتفاضات عراقية سريعة قصيرة ، فهل ما يحدث الآن هو كذلك ، أم أن للشعب العراقي هذه المرة رأي آخر ؟ 

        

ليست هناك تعليقات: