أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

حين يتولى " البلاك بيري " إدارة مدارسنا !!


    في الولايات المتحدة توجد فئة لم تعد مقتنعة بالمدارس وأدوارها وتنادي بإلغاء هذه المؤسسات ، وصار أفراد تلك الفئة يعلمون أبنائهم في البيوت ، بزعم أن المدارس لا تقدم المعرفة والتربية المطلوبة لأبنائهم ، وظهر كاتب يدعى إيفان إيليتش أصدر كتابه بعنوان مجتمع اللامدرسة أو Deschooling  وذلك عام 1971م ، وفلسفته قائمة على أن الفرد بإمكانه أن يتعلم ذاتياً بشكل أفضل ،  فهل هي المدارس كذلك ؟ أم أنها مزاعم أو إن صح التعبير نظريات جديدة في التربية ؟

    ألم يلاحظ أحدكم لسان حال، ليس الطلاب فحسب، بل غالبية المتعمقين في أصول التربية والمتبحرين في مهام المدرسة، يقول:  لا للمدارس ؟ ألا تلاحظون أنهم ما قالوها  إلا من بعد أن رأوا أن هذه المؤسسات التربوية لم تعد تلك التي يمكن الاعتماد عليها في معاونة المجتمع لإنتاج أفراد مؤهلين جادين يحملون هم البلد ويعيشون لتحقيق رؤيتها ورسالتها بالشكل المأمول؟

  التطور المتسارع الحاصل الآن في العالم وفي غالبية المجالات، لاسيَّما المجال التقني، يبعث شعوراً في النفس بأن المدارس لم تعد تلك المواقع أو الميادين التي يشحذ الطلاب همتهم لدخولها أو يسعون إليها سعياً ويطلبونها طلباً. بل يُخشى أن العكس قد حدث وما زال يحدث، والخشية الكبرى أن تسوء الأمور ويحدث غير المعقول ولا المأمول ..

   صارت المدارس بالنسبة للطلاب، بنين وبنات، مواقع أو رموزاً للإكراه والإجبار، والقيام بأمور محددة وإكراههم عليها، وإلا فإن العقوبات أمامهم .. جزء منها تقوم به وتنفذه المدرسة، والجزء الباقي تقوم به الأسرة .

    لم تعد المدارس مغرية لطلابنا كثيراً لا من قديم او حديث، فالتصميمات الهندسية للمدارس مثلاً كعامل طارد غير دافع ، لا تساعد كثيراً في الاندماج المرغوب حدوثه عند الطلاب تجاه مدارسهم، فهي أشبه بالمعتقلات والسجون. إن تصميم وتوزيع الفصول الدراسية لا تختلف عن عنابر أي سجن، والقوانين والتعليمات من كثرتها وصرامتها، تجعل الطالب متوتراً طوال الساعات الست التي يعيشها بالمدرسة، وما الصراخ الذي يطلقه الطلاب مع قرع جرس الحصة الأخيرة إلا دليل على رغبة دفينة للخروج مما كانوا عليه طوال ست ساعات لا تنقضي سريعاً.

    المدرسة لم تعد مكاناً مرغوباً للطلاب؛ لأنها صارت أيضاً تقوم بأعباء ومهمات غيرها من المؤسسات إلى جانب مهامها الأساسية وبالطريقة المدرسية المعهودة في التعليم والتعلم، وبالتالي صارت رمزاً لكثرة الأعباء والواجبات التي على الطلاب القيام بها بشكل وآخر.

   لم تكتفِ المدرسة بتعليم القراءة والحساب فحسب، وهما المهمتان الأساسيتان لها، بل صارت تقوم بدور المنزل وتقدم دروساً في التربية والأخلاق، إلى جانب قيامها بمهام المؤسسات الإعلامية والسياسية والاقتصادية والرياضية، وهذا أضاف عليها أعباء ثقيلة صارت تتجه إلى الإفراط في تنفيذ تلك المهام، ويُخشى عليها أن تصل في النهاية إلى أن تخرّج طلاباً لا يفقهون الكثير مما هو حاصل في المجتمع، لأن مؤسسات المجتمع التي لها أساليبها المحببة للتعليم، ألقت بأعبائها على المدارس ولم تقم بأدوارها كما يجب..

    ومن هنا يأتي كره الطلاب للمدرسة التي أضحت تعلمهم أموراً يجب أن تحدث خارج أسوارها وليس داخلها.. ومن هنا أيضاً يأتي كره المعلمين للتدريس أو لهذه المهنة؛ لأنها أضحت عبئاً ثقيلاً ليس أي أحد قادرا على تحملها والصبر عليها.

    ومن هنا أيضا نشط دعاة مجتمع اللامدرسة ، وصاروا ينادون بالتعلم الذاتي منذ أربعين عاماً ، فكيف حالهم اليوم وقد تعاظمت قدرات التكنولوجيا ودخلت كل بيت بل كل قلب بشر ، وصار أطفال اليوم وبكل مهارة يتلاعبون بأجهزة وتقنيات كان المرء منا يخاف لمسها او الاقتراب منها قبل عقدين من الزمن ..


   هذه التكنولوجيا لا شك أنها ستدفع بأولئك القوم وتعزز نظرتهم ونظرياتهم . فهل نتدارك الأمر ونحول مدارسنا إلى بيئات جذب وكسب ونعيد تشكيل الصورة الذهنية للمدرسة عند أطفالنا قبل أن ترسم التكنولوجيا كيف يكون التدريس وكيف تكون المدرسة ؟ آمل ذلك ولكن في الوقت ذاته أستبعد الأمر ، لقناعاتي أن الأمر مؤجل حتى يتولى جيل البلاك بيري والآيفون وأختهم الآيباد زمام أمور التربية والتعليم .. حينها سنكون قد بلغنا من الكبر عتياً ، وحينها ستكون المدرسة غير المدرسة التي عاصرناها ويعاصرها أبناءونا اليوم .
    

ليست هناك تعليقات: