أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

خواطر من ميدان التحرير الانكليزي !!

  
   الجماهير غالباً هي القوة أو الطوفان الذي إن تحرك لا يمكن أن يصده ويمنعه مانع . والجماهير هي التي غالباً ما تقرر مستقبلها وتنقلب على حكوماتها إن رأوا منها الظلم والتعسف . ولذلك تحسب السلطات الحاكمة في كثير من دول المؤسسات على وجه التحديد حساب الرأي العام أو الجماهير أو الشارع ، فتحاول إرضاء الشارع والجماهير قدر المستطاع سواء بالوعود الدبلوماسية الحلوة الراقية أو بتنفيذ بعض مطالب الشارع فعلياً  وتتجنب في الوقت ذاته الخوض في مسائل من شأنها إثارة الرأي العام ضدها والتي قد تؤدي إلى سقوطها . هذا ما يحدث في العالم المتقدم .

   ما يحدث في عوالم أخرى  وخصوصاً الدول التي لا تعرف للعمل المؤسسي أي معنى أو لا تعترف بالمؤسسات أصلاً  وإن اعترفت بها فهي شكلية .. في هذه الدول تجد السلطات على قناعة تامة ببأس الجماهير وقوتها ، ولكن بدلاً من تجنب الخوض في معارك معها ومحاولة كسب ودها ، تجدها  وقد دخلت في تنافس مع شعوبها في القوة واستعراض العضلات .

   انظر إلى نماذج من هذه الدول هنا وهناك ولاحظ بعض مظاهر استعراض القوة ، ففي هذه الدول تكثر الاستعراضات العسكرية مثلاً سواء للجيش أو الشرطة أو القوى الأخرى ، وتكثر الدعايات السياسية فيها التي تمجد الحكومة ، وتقوم وسائل إعلامها بذلك الدور  بشكل مكثف حتى ليعتقد المواطن أنه لا حكومة إلا هذه وأن الحق كل الحق معها ، وأن ذلك كله نتيجة تدبير وتخطيط وسياسة تفوق الحكمة ذاتها !

   وبالطبع في ظل تلك الاستعراضات العسكرية والسياسية والإعلامية يخفت صوت الشارع شيئاً فشيئاً ، وخصوصا أن من يدرك ألاعيب السياسة وألاعيب السلطات لا يجد من يسمع له أو يُتاح له المجال للنقد وتبيان الحقائق ، وتكثر في الوقت نفسه الضغوط عليه التي تضعفه تدريجياً حتى يقرر الانزواء والاختفاء أو الاكتفاء برؤية الخطأ والسكوت عنه واتباع أضعف الإيمان تجاهه .

   لكن هذا الأمر بدأ يتغير فعلياً ، ولعل أبرز الأمثلة هي الثورات العربية الدائرة الآن في عدد من البلدان ، وحتى لو أن مكاسبها ما زالت محدودة ، إلا أنها كسرت حاجز الخوف من السلطة مهما استعرضت عضلاتها ، والدليل هو ما يحدث في مصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا . ولا أستطيع أن أقول بان أحداث لندن الحالية لم تتأثر بصورة وأخرى بأحداث الثورات العربية ، فأحداثها أو شرارتها شبيهة بتلك التي كانت في تونس مثلا او القاهرة ..

   ثارت الجماهير في لندن بعد مقتل مواطن من ذوي الدخل المحدود ، فهاجت الشوارع وماجت وحصل ما يحصل من إشعال حرائق وسلب ونهب وتخريب .. الشعوب لها حدود معينة لكي تصبر وتساير حكوماتها ، لكن تقع بعض الأحداث أحياناً تكون بمثابة وقود إضافي أو هي القشة التي تقصم ظهور الحكومات وهذا ما يحصل في لندن ومن قبلها في عواصم عربية عديدة ..

   التاريخ يعيد الدروس ويكررها في الشرق والغرب وكل الاتجاهات ، ولكن سيظل الزعيم زعيماً والرئيس رئيساً . المفاهيم واحدة ، وأساليب التفكير متشابهة . كل زعيم يستعرض عضلاته ، وإن كانت منتفخة هرمونياً . وكل زعيم يعتقد ان ما يحصل لزعيم آخر هو أمر مستبعد أن يتكرر معه لأنه مختلف عنه !! وهكذا تسير عجلة الحياة معهم ومع شعوبهم ..

   زعيم يتقوى ويتمدد ويكسب الصلاحيات والسلطات فيظلم ويتجبر ويتكبر ، فيثور الناس ويموت هذا وذاك ويُزج آخرون بالسجون وتندلع ثورات ، وتتعطل مصالح البلاد والعباد بسبب تعنت الزعيم وعدم فهمه لما يدور حوله ،  حتى ينتهي الأمر بفراره أو مقتله أو اعتقاله ، ليبدأ الناس من جديد في رسم خارطة طريق جديدة لسنوات قادمة حتى يعيد التاريخ الدرس نفسه مجددا.. درسُ الزعيم والشعب والتدافع والتضاد ..

وهكذا الحياة تستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ..

هناك تعليق واحد:

أنسانة بسيطة يقول...

وهكذا الحياة تستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ..
هكذا هي الأمور تسير - من حال لحال - وما حدث وما سيحدث لاحقا - أصبح موضوع جديد وصفحة جديدة تضاف إلى التاريخ مقال رائع استاذي
دمت بود ^_^