أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الخميس، 4 أغسطس 2011

خواطر حول محاكمة مبارك

   
   انتشرت في المواقع وعلى أجهزة البلاك بيري رسالة مفادها أن القاهرة ستبكي دما بعد محاكمة مبارك كما بكت بغداد بعد محاكمة صدام !! وتساءلت كيف يمكن أن يكون كذلك ؟ وما وجه المقارنة بين المحاكمتين ؟

   بداية نقول بأن مشهد مبارك وولديه  وبعض وزرائه وراء الأقفاص ، مشهد مؤثر لكل إنسان ولكن التأثر يختلف من شخص لآخر . هناك من تأثر عاطفياً من منظر مبارك وهو على سرير المرض ، فيما آخرون تأثروا ايمانياً وروحانياً ، وهي أمور متلازمة مع شهر رمضان ، وقالوا بأن المشهد ذكرهم بعدالة العادل الذي لا يمكن أن ينسى عباده المظلومين ولا يمكن أن يهمل الظالم وإن أمهله .

   وددت وأنا أتابع وقائع المحاكمة أن أعرف كيف كان مبارك ومن معه يفكرون في اللحظات تلك ، وهل تخيلوا أنفسهم يوما من الأيام في إمكانية وقوع هذا المشهد لهم ، بل قلت لنفسي : ماذا كان سيدعوهم إلى مثل ذاك التفكر والتأمل ..

   غالباً وفي ظني أنه لم يتفكر أحد منهم في هذا الذي حصل اليوم ، ولم يكن هناك ما يستدعي أن يورد أحدهم مثل تلك المشاهد المخيفة في حقيقة الأمر ، وظني أن كل واحد منهم اعتقد بالخلود واعتقد بديمومة الإمكانية والسلطة ، شأنهم شأن أي مالك للقوة والسلطان والمال ، إذ لا يمكن أن يهزهم أمر أو يخرجهم خارج مما هم .. لكن هذا الذي حصل أمام الملايين ، والتاريخ مليء بمثل هذه المشاهد لكن من يقرأ ومن يفهم ومن يعتبر .

   تعاطف البعض مع منظر مبارك وهو على سرير المرض وقالوا بأن هذا نوع من التشفي يقوم به الشعب المصري في شخص أثبت أنه أفضل من غيره من الزعماء الذين تثور شعوبهم الآن في وجوههم .. يقولون بأن مبارك لو أراد أن يهرب مثل الزين لفعل ، ولو أراد أن يقتل شعبه مثل القذافي وصالح وبشار لفعل ، ولكنه تنحى وبقى في الوطن ، فلماذا كل هذا التشفي وفي شهر الرحمة والغفران مثل رمضان ؟

   في رأيي أن المسألة ليست تشفي ولا ثأر يقوم به المصريون مع حاكمهم السابق وزمرته . وإنما الحاصل بكل وضوح هو محاكمة لمجموعة أثبت المصريون وبشكل قانوني أنهم سبب في مشكلات البلاد وتأزم الأمور وأنهم مدانون في كثير من القضايا وأنهم أمام محكمة كغيرهم من المصريين ، يتم اتهامهم ويتم بالمثل الاستماع لأقوالهم ولمحاميهم حتى تصل المحكمة إلى أحكام معينة . هذا أولا .


 أما القول بأنه لم يهرب كما فعل الزين ولم يختار سيناريوهات الزعماء الدمويين الثلاث ، فأعتقد أن الوقت لم يسعفه للهرب وإلا كان في موقع ما الآن كما فعل كثيرون ممن كانوا معه ونفذوا بجلدهم .. ولم يستخدم العنف ليس لأنه لم يرد ذلك لأن أحداث مثل وقعة الجمل في التحرير دليل أن النيات كانت مبيتة لزهق الكثير من الدماء فلعل ذلك يخيف ويردع الشعب .

   لكن الذي حصل هو العكس تماما حيث ظهر المصريون على خلاف ما كانوا عليه لعقود من الرعب والخوف وخشية الحاكم وزبانيته ، فانفرط عقد الأمن المركزي الذي كان الحصن الحصين للنظام . ثم وقوف الجيش في الحياد أفسد كل الخطط لاستخدام سيناريوهات القذافي وصالح أو بشار .

   ما سمعناه وقرأناه من المصريين أنفسهم أن مبارك وولديه وكثيرون ممن كانوا في الفلك معهم يدورون ، عاثوا في الأرض فساداً ، شأنهم شأن كثيرين في هذا العالم العربي المنكوب. ومثلما تجرأ المصريون في وجه فرعون بصورة وأخرى حتى غرق ، حدث وتكرر الأمر معهم أمام مبارك فكان ما كان .

 خلاصة الحديث ..
 محاكمة مبارك طبيعية وهي تختلف تماما عن محاكمة صدام الذي تعاطف البعض معه ليس حبا فيه بقدر بغضهم للأمريكان . وقع صدام وانهار ولكن ليس بيد شعبه ولكن بيد الأمريكان ومن كان معهم ، لكن مبارك وقع وانهار بيد شعبه ، ولهذا محاكمته طبيعية ولا أظن أحداً يتعاطف معه لأن بهذا التعاطف يتصادم مع رغبات ملايين من الشعب المصري . ولهذا على المتعاطف أن يقرر ويختار التعاطف ، إما مع أشخاص معدودين أو بين ملايين . ولا أظن عاقلا يختار القليل على الكثير ، والأمة لا تجتمع على باطل أبداً ..

   إن المحاكمة درس بليغ لكل زعيم وكل مسؤول وكل مدير وكل رئيس بأن الظلم ظلمات يوم القيامة وقبل ذلك إهانات في الدنيا قبل الآخرة .. وصور المحاكمة لا تحتاج لكثير من شروحات وتفسيرات لهذا المعنى ..

ليست هناك تعليقات: