أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الأربعاء، 5 يناير 2011

خواطر باريسية ..



   مدينة باريس الفرنسية لها نكهتها من بين المدائن الأوروبية الأخرى، فكما هي مشهورة بالعطور، كذلك تشتهر بمزاجها الرائع والرفيع في الطعام والشراب، ومن شاهد الفلم الكرتوني (راتاتوللي) الذي يحكي قصة فأر له ذوق رفيع يعمل في مطعم باريسي مشهور، يدرك أن المنتج ما اختار قصة الفلم إلا من بعد أن أعجبه الذوق الفرنسي في الطعام بل في كثير من الأمور..


  قد لا يعجب الكثيرين منا الطعام الفرنسي، لأننا أصحاب ثقافة ذات طابع معين في مسألة الطعام على سبيل المثال، هـذا الـطابـع يتـسم بالوفرة في الكمية، وندرة في النوعية. 

   على عكس ما هو حاصل في المطاعم الباريسية لاسيما تلك التي يرتادها الارسـتقراطيون ومن على منوالهم يسير. كنا قبل عام من الآن في ضيافة السفير القطري في باريس السيد محمد جهام الكواري، الذي أقام مأدبة غداء باريسي في مطعم مشهور على شرف وفد من المجلس الأعلى للتعليم كان يحضر المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو في باريس..

     يبدأ الغداء عادة بفواتح للشهية وتكون عادة بكمية قليلة جدا.. ثم شوربة ساخنة يتفنن الطباخ في تنويع محتوياتها، ثم يليها الطبق الرئيسي الذي قد يظن من لم يعتد على قائمة الطعام الفرنسي، أنه سيكون وفيراً مشبعاً كما حال الأطباق العربية، لكنه كان عكس ذلك.  وتنتهي المأدبة بطبق من الحلوى يظهر فيه الفن الفرنسي وذوقه، وينتهي بفنجان من قهوة الإسبرسو الشهيرة.


   ما تلاحظه في هذه نوعيات من المطاعم أنك تنتهي من الطعام ولا تشعر بذاك الشبع الذي يكتم الأنفاس، بل تجد أن جسمك لا يكسل ولا شيء يدعوك إلى النوم مثلاً، وربما الأجواء الباردة تنعشك أكثر وأنت خارج من المطعم، فتجد في نفسك رغبة في السير على الأقدام على الأرصفة الباريسية الشهيرة بمقاهيها الكثيرة والمحلات التجارية المتنوعة، لا سيما على جادة الشانزلزيه.

   في باريس تلاحظ أثناء الإجازة الأسبوعية كثرة رواد المطاعم والمقاهي من الفرنسيين قبل السائحين. ولربما تمر على مطعم لا تجد مكاناً فيه، وتندهش حين ترى طابوراً طويلا من البشر أمام بابه ينتظرون دورهم للدخول، في وقت تتوفر مطاعم كثيرة ومتنوعة وقريبة. 

  
لماذا ينتظرون؟ لأن للانتظار عندهم طعما وفهما يختلفان عما نحن عليه.. إن الباريسي  لم يقصد المطعم لمجرد تعبئة المعدة، وإنما الهدف الأساسي هو الاستمتاع بوقته في مطعم يختاره بدقه، ويذهب إليه مع أصحابه.. إنه يستمتع بالصحبة عبر الحديث أثناء الانتظار، ويكمل استمتاعه حينما يجلس على طاولته منتظرا الطعام ولا يستعجله، إلى أن يأتي في وقته ليستمر استمتاعه بتذوق أشكاله وأنواعه..

 إنه فهم آخر لمعنى الخروج لمطعم أو مقهى أو فهم آخر لمعنى الأكل والشرب على عكس ما نحن عليه .. وللخواطر الباريسية  بقية.

ليست هناك تعليقات: