أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الثلاثاء، 28 ديسمبر 2010

المتردد لا ينتج ولا يصنع تاريخاً


      الأسبوع  الفائت تحدثنا عن التغيير، وقلنا إن الشرط الأول أن يكون بناء على رغبة عارمة في إحداث التغيير، أي أن يتكون لديك نهم وشغف بتغيير ما تود تغييره، حيث لا يمكن أن يقف في وجهك واقف أو يمنعك مانع.. بل حين تصل إلى تلك الدرجة تجد أنه لا يشغلك عن هدفك أي شاغل، وتعيش العملية بكاملها إلى الحد الذي ترى النتائج قبل أن تبدأ العمل الحقيقي..


   الشرط الآخر ألا تتردد في العملية التغييرية، باعتبار أن التردد يعني أن همساً أو صوتاً خافتاً يأتيك من أعماقك يدعوك إلى عدم خوض ما أنت بصدد الخوض فيه وهو التغيير. ويدعوك ذاك الصوت الهامس الخافت إلى التوقف والتفكر مرات ومرات، ويبدأ يقرأ عليك أوهاماً ويدعوك إلى تخيل صور سلبية بائسة..


   إن أنت واصلت الاستماع إلى ذاك الصوت الخافت، فإنك ها هنا مُعرض لأن تتخذ قراراً بالتوقف وكبح جماح حماستك الأولية. وكلما تباطأت في اتخاذ القرار واستمعت أكثر إلى ذاك الصوت، كنت معيناً لدعم روح التثبيط والقعود على الانتشار بنفسك، ووجدت نفسك بعد حين من الدهر قصير وقد ألغيت قرار التغيير، لتعيش بعدها على الفور صراعاً ربما يطول، بل وتبدأ بفقد زمام التحكم في خيوط العملية التغييرية وتجد نفسك وقد رجعت إلى المربع الأول أو الخطوة الأولى.. 


   لو أن خالد بن الوليد تردد في اتخاذ قرار الانسحاب من معركة مؤتة واستمع إلى صوت مواصلة القتال، لكنا اليوم نقرأ عن مذبحة مؤتة وإبادة جيش المسلمين. لكنه لم يسمع إلى ذاك الصوت بل اتخذ قراره الحاسم، فكانت النتيجة أن أنقذ الكثيرين من المسلمين، وهذه الخطوة الأهم، ومن ثم يبدأ التفكير في مواصلة تحقيق الهدف بعد ترتيب الصفوف، ولو كان قراره خاطئاً ما امتدحه حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامتدح جيشه وسماهم بالكرار بعد أن أطلق بعض المسلمين ممن لم يملكوا بعد النظر صفة الفرّار على الجيش.. 


   إن عمليات التغيير ليست من تلك النوعية من العمليات التي تتحمل التردد والبطء. ولو كان كل البارزين على مدار التاريخ من القادة والحكام وعظام الرجال من المترددين، لما برز أحد في هذا التاريخ ولما حدثت تغييرات دراماتيكية حاسمة تغير معها التاريخ. 


   حين تكون أمام عملية تغييرية، فأنت أمام لحظات صناعة تاريخ، ولا يهم تاريخ من وماذا، فأنت بنفسك حياة كاملة، وإن ما تقوم به تجاه نفسك مثلاً عبر اتخاذ قرارات حاسمة تتغير على إثرها -فإنما تقوم بصناعة تاريخ لحياتك، سواء تأثر بهذا التغيير أحد من حولك أم لم يتأثر، لكن يكفيك فخراً أنك تصنع تاريخاً لنفسك، لأنك أنت الأساس في العملية برمتها..

   خلاصة ما نريد الوصول إليه والدعوة إلى تبنيه أن تكون حاسماً حازماً وأنت ترغب في إحداث تغيير ما، سواء على الصعيد الشخصي أم أصعدة أوسع وأكبر. لا تتردد في قرارات التغيير، لأن هناك الكثيرين حولك تنحصر مهامهم في تلك اللحظات الحاسمة في دفعك إلى التباطؤ والتوقف، وأهم كل أولئك، هي نفسك التي بين جنبيك..
ولك أن تتذكر مواقف حياتية مرت عليك وأنت بصدد اتخاذ قرارات حاسمة، ووجدت نفسك متردداً حائراً ليس لشيء سوى أنك لم تكن حازماً، حيث تغلبت نفسك عليك وسيطرت على عقلك فانتصرت، وخسرت أنت لحظات صناعة تاريخ..  

ليست هناك تعليقات: